عزيزي اليوم، كيفَ أنت؟
تبدو جميلاً اليوم! أهكذا أنت كلَّ يوم؟ عتبك على من لم يكُن يُبصر.
مرَّ وقتٌ طويلٌ لأنتبه إلى وجودك، وأشعر بكبير ذنبٍ تجاهنا نحن الاثنين، وأدرك إيغالي بالانصراف عنك حنيناً إلى أمس، وإهمالك اهتماماً بمراعاة خشيتي من غد، كما لو أنك، ويا لغبائي، غير موجود، في حين أنك الموجود الوحيد بين غائبَين أبديين لا يُدرَكان؛ أمس وغَد.
كل شيءٍ تمسكتُ به، يا لسُخفي، كان بفعل خصيمَيك اللدودين على حسابك أنت. دفنتُ نفسي في وظيفتي السابقة توقاً إلى أمسٍ وظيفي صنع ما يُشبه العِشرة، ولم تكُن، في شركة التهمت نصفَ سنوات عمري، ما تخليتُ عنها بيُسر مُراعاةً لأمس جميل جمعنا، يا لتفاهتي وقصر نظري. تشبَّثت بوظيفتي خوفاً من غدٍ حسبتُ أن من شأن الرَّاتب الوظيفي أن يمنحني حصانة ضد غدره. وماذا بعد؟ لا شيء إلا موتك أيها اليوم في أجندتي وأنا أستميتُ من أجل إحياء ميتٍ وآخر لم يولد بعد؛ أمس وغَد.
تمسَّكت بمن لا يستحق أن يكون صديقاً من أجل أمسٍ جمعنا وغدٍ أريده أن يتوِّج صداقتنا، رغم كل دلائل اليوم التي تشي، بفجاجةٍ، باستحالة الوفاء لميثاق صداقة لا تصح.
عزيزي اليوم، تعرَّفتُ إليك متأخراً، واكتشفت فيك فرادةً تستحق أن يحيا واحدنا من أجلها، وأنك الحقيقي الوحيد في أزمان ليست موجودة ولن تكون. وحدك جديرٌ بالاهتمام ولا غيرك. بعيداً عن مخاتلات وغوايات أمسٍ وغَد.
لا أُحب ارتداء ثوب النَّاصحين، وأنا أكثر النَّاس أبحث عن نصيحة في تيه الوجود، ولست أدري إن كان إدراك مفهوم الزمن من باب الحكمة، فالحكمة لا تورَّث كما يُقال إنما هي تجربة تُعاش، عليك أن تتكبَّد الكثير من الخسارات لكسبِ حكمة واحدة تفهمها وتؤمن بها، ولا يمكنك منحها للآخرين، وأنا خسرتُ أيامي كلها، يوماً بيوم، من أجل لا شيء. أمضيتُ ما يفترض بها أن تكون أجمل الأوقات بصحبة من أُحب، أُبدِّدها بالتفكير في غد، يومَ يفقد واحدنا الآخر، غير منتبهٍ إلى ما كنت أضيعه من سعادة اللحظة وعظمتها. أما اليوم، أعدُك، سوف أخلق مناسبة على غرار يوم الأم ويوم الأسرة ويوم الأرض وأسميه يوم اليوم، لأحتفي به كلَّ يوم، حيّاً نابضاً قبل أن يُحالَ إلى جثَّة ثقيلةٍ باردةٍ أتنكبُها بصفتها ذكرى، والذكرى في كل حالاتها موجعة.
عزيزي اليوم.. كُل يوم وأنت بخير.