يقول ابن نُباتة السعدي: «ومن لم يمُت بالسيف ماتَ بغيرهِ.. تعدّدت الأسبابُ والموتُ واحدُ». في عام 2014 صدر الفيلم الكوميدي A Million Ways To Die In The West الذي يستعرض المتاعب التي يعيشها الإنسان في الغرب الأميركي القديم، والطرق العديدة التي قد يموت بها في أي لحظة، لدرجة أن بقاءه حياً حتى سن الخامسة والثلاثين يعدّ حدثاً نادراً! وفي 2018 صدر فيلم نتفليكس The Ballad Of Buster Scruggs من إخراج الأخوين إيثان وجويل كوين، ويتناول ستّ قصصٍ منفصلة تدور أحداثها أيضاً في الغرب الأميركي، وعلى الرغم من أنّ الفيلم لا يصرّح بثيمته الرئيسة من العنوان كما في (مليون طريقة للموت في الغرب)؛ إلا أنّ الموت يظهر مجدداً بصفته العامل المشترك بين جميع القصص، وكأنّ الغرب ملعبه المفضل. وبعد مشاهدتي هذه القطعة الفنية لا أملك إلا أن أتساءل: هل سقط The Ballad Of Buster Scruggs سهواً من قائمة الأعمال المرشحة لأوسكار أفضل فيلم؟

فيلم من ستة أفلام!

تبلغ مدة فيلم The Ballad Of Buster Scruggs ساعتين، ويمكن اعتباره فيلماً طويلاً يتألف من ستة أفلام قصيرة، لا يجمعها إلا المكان، وفكرة الموت. تدور القصة الأولى حول شخصٍ مرح اشتهر بغنائه العذب وبراعته في إطلاق النار، ويجد نفسه دائماً مضطراً إلى خوض تحدياتٍ دموية. أما القصة الثانية التي يؤدي بطولتها النجم جيمس فرانكو، فتتحدث عن رجلٍ يحاول السطو على أحد البنوك، لكنه يتورط في مآزق غير متوقعة قد تودي بحياته. في القصة الثالثة بعنوان (تذكرة طعام)، يلعب الممثل ليام نيسون دور مالكٍ لإحدى الفرق التمثيلية المتجولة، المكوّنة من ممثل وحيد لا يملك ذراعين ولا ساقين. وفي القصة الرابعة يُكابد رجلٌ عجوز كل أنواع المشقّات أثناء تنقيبه عن الذهب في أحد الوديان. في حين تدور القصة الخامسة حول شابةٍ تجد نفسها بلا عائلة وسط قافلةٍ مسافرة، يتربّصها الحب من جهة والموت من جهة أخرى. وأخيراً القصة السادسة التي ترتكز على الحوار بين خمس شخصيات يجلسون داخل عربة نقل قاصدين المكان ذاته، وعلى سطح العربة جثة رجل مطلوب قتله صائدو الجوائز.

كوميديا سوداء

السخرية والعبثية هما وقود الكوميديا السوداء، وهي الغمامة التي تغطّي معظم قصص الفيلم، وهذا الأسلوب ليس بغريبٍ على الأخوين (كوين) اللذين أبدعا من قبل أفلام: Fargo وBurn After Reading وNo Country For Old Men وThe Big Lebowski. والمتابع للأفلام السابقة يدرك أن القتل عند الأخوين كوين يحدث في غمضة عين، وبطرق مضحكة وعشوائية، كما في فيلمهم الفائز بالأوسكار No Country For Old Men حين يخيّر المجرم ضحاياه بين وجه أو ظهر العملة المعدنية ليقرر مصيرهم بناءً على اختيارهم، على الرغم من أنه لا يمتلك أي دافع لقتلهم! هذه العبثية حاضرة بقوة في فيلم The Ballad Of Buster Scruggs، وهذه المرة يبدو الغرب الأميركي مسرحاً هزلياً أو مختبر تجاربٍ حُراً لأفكار الأخوين كوين، فهو عالمٌ ناءٍ لا تحكمه القوانين والأخلاقيات، والموت فيه أسهل من حلّ رباط الحذاء.
الفيلم ممتع بصرياً، ويزخر بالألوان والأزياء والأغنيات التي كانت بمثابة حقن من البهجة في عروق الغرب القاحلة. مستويات الأجزاء الستة متقاربة إلى حد كبير، وأكثر ما أحببته شخصياً؛ القصة الأولى التي ملأتني حياة على الرغم من كل ما فيها من الموت، والخامسة التي فطرت قلبي، والسادسة التي بهرتني بحواراتٍ عظيمة ذكّرتني كثيراً بأفلام المخرج كوينتين تارنتينو، وخصوصاً فيلمه The Hateful Eight. حصل فيلم The Ballad Of Buster Scruggs على ثلاثة ترشيحات لجوائز الأوسكار، وليس من بينها للأسف جائزة أفضل فيلم، ولو كان الأمر بيدي لركلت Black Panther خارج القائمة ووضعت هذا الفيلم مكانه، وأقول بكل ثقة إنه في رأيي أفضل فيلم في 2018.

تذكرة لي ولكم
اقتباسات من فيلم The Ballad Of Buster Scruggs:

1. (لا بدّ من وجود مكانٍ في الأعلى لا يكون فيه الرجال حقيرين).
2. (لأنّ أكثر ما يُسعدني أقلّ ما يرضيني).
3. (عدم اليقين.. إنها من طبيعة هذا العالم).
4. (يجب ألّا يُلقي الأهل بعبئهم على عائلات أولادهم).
5. (يمكننا أن نعرف بعضنا إلى درجةٍ معينة، ولكن ليس بالكامل.. هذا مستحيل).
6. (نحن نحب أن نسمع قصصاً عن أنفسنا، ما دام الناس في القصة يمثلوننا، ولكنهم ليسوا نحن تماماً).
7. (شخصٌ يحظى بإعجابٍ واسع يقبل الحب كتحية، ويقدّم حبه على أنه شرف).