كشفت دراسة بريطانية حديثة، أن تزايد أعداد الإناث في مواقع العمل، جعلا الرجال أكثر طموحاً للتنافس على الرواتب والوظائف العليا. وعلى الرغم من أن تزايد الوعي بالمساواة بين الجنسين أدّى إلى ارتقاء النساء إلى وظائف ذات أجور عالية، لكن قصص نجاح المرأة، جعلت الرجال أكثر طموحاً، ووجدت الأبحاث أن النساء تقدمن في مجالات مثل القانون والمحاسبة، ولكن الرجال لا يزالون يشغلون مناصب عليا بشكل أكبر في الإدارة، خوفاً من أن تترأسهم امرأة.

كما أكد التقرير أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا الاتجاه، مضاعفة جهود التنافس من الذكور للحصول على أفضل الوظائف، تجنباً لأن تكون مديرته أنثى، ويحذّر الباحثون في «كلية لندن للاقتصاد» من أن يعيق ذلك التقدم للقضاء على فجوة الأجور بين الجنسين، بحسب صحيفة «ديلي ميل». فكيف أثّر ازدياد عدد النساء في الرجال وطموحهم في المجتمعات العربية في سوق العمل؟

المعايير العملية
يؤكد الدكتور الصيدلاني، فتحي خليل الرمحي، أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في سوق العمل، مضيفاً: «المعايير وحدها التي تفرّق بينهما هي الخبرة والكفاءة، فالعالم اليوم أصبح لا يفرق بين الجنسين، فلا يُميّز الرجل عن المرأة شيء سوى الاجتهاد والنجاح المهني، ومن الصعب إيجاد استراتيجية واضحة لرسم معايير فهم كل منهما الآخر، أو وضع قاعدة محددة، لاسيّما في مكان العمل؛ فالطريقة التي يتعامل بها كلا الجنسين مع الموقف نفسه، وقواعد السلوك لهما قد تُفاجئ الآخر، وخاصة حين يتعلق الأمر بالتواصل وفرض الرأي».
يضيف الرمحي: «على الرغم من أن المرأة كانت في كل المجتمعات عاملة، لا بل إن بعض الأعمال كانت حكراً عليها، إلا أن خروجها إلى عالم العمل مدفوع الأجر كان من أبرز التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المجتمعات، ومهما تفاوتت مستويات انخراط المرأة في سوق العمل بين بلد وآخر، مُثيرةً أسئلة وقضايا مستجدة أكثر تفاوتاً بين هذا المجتمع أو ذاك، فإن هناك اعترافاً عالمياً بأهمية الدور الذي باتت تلعبه المرأة على صعيد الاقتصادات الوطنية ونموّها، وبوجوب الاستفادة من هذا الدور إلى أقصى حَدِّ مُمكن، خاصة فيما يتعلق بتحفيز المنافسة».

عنصر غالب
ترى رئيسة قسم الضبط والجودة في «مصانع سختيان للأدوية ومواد التجميل»، المهندسة رانيا سميح، أن أي مُراجعة للتحوّلات في القرن الـ20، لا بد أن تقف على مُتغيّر أساس حصل في النصف الثاني منه، ألا وهو دخول المرأة مُعترَك سوق العمل بشكل واسع.
وتقول: «البيانات الاقتصادية للعقود الثلاثة الأخيرة في الدول الأكثر تطوراً، تشير إلى أن النساء شكلن العنصر الغالب في إيجاد الوظائف الجديدة، وبالتالي في تشكيل النمو الاقتصادي. وأحدث هذا التحول تغييراً أهم بكثير من التغييرات السابقة التي دخلت على حياة المرأة والأسرة والمجتمع والاقتصاد. ولم يأتِ وحيداً، بل مُترافقاً مع تطورات تكنولوجية سمحت بتسهيل العمل المنزلي والأسري والحياة بشكل عام، وترافق أيضاً مع معطيات اقتصادية اجتماعية داعمة له».

الإقبال على العمل
يؤكد مسؤول خدمة العملاء في «البنك الأردني الكويتي»، بدر عز الدين، أن التطور الاقتصادي حوّل الإنتاج التقليدي ذا الطابع المنزلي إلى إنتاج موسّع ومتطور تكنولوجياً، ويوضح: «بات يفرض على عمل النساء الخروج من إطاراته التقليدية إلى إطاراته الحديثة في سوق العمل. ودخل العمل المنزلي أيضاً في السوق ولو بشكل جزئي مع دخول التجهيزات المنزلية الحديثة، والاستعانة بيد عاملة مساعدة مدفوعة الأجر، مما جعل النساء في موقع منافسة بالنسبة إلى الرجال». ويضيف: «مؤخراً بدأت المرأة تتبوّأ المناصب العليا، وتدير مؤسسة يعمل فيها مجموعة كبيرة من الرجال، وكثيرات نجحن في ترشيد هذه المؤسسات وتحويلها إلى مؤسسات فاعلة ومنتجة، وصارت المرأة تمثل دوراً بارزاً في قطاع الاقتصاد والأعمال وتصل إلى أعلى المراتب». ويختتم عز الدين ببهجة قائلاً: «مُديرتي امرأة، ولا أنكر أن وجود امرأة على رأس إدارة فرع المصرف الذي أعمل فيه، رَفع من معنوياتنا وجعلنا نجتهد أكثر، فلديها قدرة على أن تجعلنا نعمل من دون أن نشعر بالتعب والغبن».

الطاقات الحقيقية
الكاتب والاقتصادي غيث العضايلة، يقول: إن استقلال المرأة وعملها الإنتاجي له تأثير كبير في الاقتصاد وسوق العمل، ويوضح: «لعلّ من أهمها ارتفاع القوة الشرائية لشرائح الطبقة المتوسطة فما دون، وما يُعرف بالحراك الاجتماعي الاقتصادي Socioeconomic mobility، ويُقصد به تحرك الفرد أو الأسرة، من طبقة اقتصادية إلى أخرى ضمن المجتمع عادة بفعل عوامل اقتصادية، كما أنه أسهم في كسر الحاجز النفسي بين الجنسين، وفي هذه النقطة مصلحة للمرأة والرجل معاً».
ويختتم العضايلة بالقول: «إن معرفة الجنسين بأخلاقيات التعامل المهني والاحترام المتبادل بينهما، مع توزّع الأدوار بشكل لا يعزز الفوقيّة ولا الفارق المبَني على الجنس، الذي تبنى عليه التربية التقليدية».

الخوف من «عقاب» المديرة
تؤكد مديرة مستشفى الأمير فيصل الحكومي، الدكتورة إسراء الطوالبة، التي تُعتبر ثالث امرأة أردنية تشغل منصباً إدارياً لمستشفى حكومي، أن وجود المرأة يعطي حيوية إضافية داخل العمل، وهذا نابع من الشعور الهادئ الذي تنطلق منه نحو الآخر، بينما قد يخفق الرجال في تحقيق النشاط المستمر لمؤسساتهم، والسبب عائد إلى تسلّطهم لا سلطتهم، في حين نرى في إدارة المرأة سلطة مُرْضية. وتوضح: «أحياناً يكون الرجل في موقع الإدارة مستبدّاً، ولا يعترف بالخطأ، في حين إذا أخطأت المرأة، تعتذر للموظف، وهذا في حدّ ذاته فعل جاذب للعمل، أنا لا أفرق بين رجل وامرأة، المهم العمل، لا يهمّني من يعمل، المهم إنجاز العمل المطلوب، لذلك لا أتوقف عند هوية الشخص، ذكراً كان أم أنثى». وتلاحظ الطوالبة من موقعها مديرة لمستشفى، يضم المئات من العاملين والعاملات في الكادر الطبي، نوعاً من الغيرة من جهة الرجل، نابعة من شعور بالمنافسة أحياناً، وشعور رفضه الداخلي أن تتفوق عليه امرأة، أو تُعاقبه مديرته على تقصيره، وفي كل الحالات، الأمر يؤدي إلى حرصه على أداء أفضل في العمل».