في صوت الفنان اللبناني سامي كلارك نبْض وعنفوان، وفي رصيده 750 أغنية و73 نشيداً وطنياً، وفي أدائه التقاء ما بين الشرق والغرب والعربية والأجنبية والتقاليد والعصْرَنة. غنّى الوطن والنشيد والحب والعصفور والبحر. وسرد في أغانيه قصصاً حية مُردداً بخامة استثنائية: «آه آه على هالإيام». انضم إلى حوارنا معه، ولداه التوأمان سام جونيور وساندرا.

• هناك مثل يقول: «نيّال البيت الذي يخرج منه بيت» فهل ينطبق الأمر على الفن فنقول: «نيال الفنان الذي يُنجب فناناً وفنانة»؟
لم أختر يوماً أن أجعل من ولديّ التوأمين سام جونيور وساندرا فنانين، لكنني كنت أغني لهما وهما يكبران، وهذا أثّر بالصدفة فيهما، نحن نتعاون معاً ونُريد أن نبقى يداً واحدة، مع حرصنا ثلاثتنا على أن يكون لكلٍّ منا شخصيته وقدرته على الغناء منفرداً.

• تحدثت عن الصدفة التي جعلت من بيتك «بيتاً فنياً». ما دور الصدف عموماً في حياتك؟
صحيح، بالصدفة تزوجت من رسامة، كانت معلمة مدرسة، اكتشفت لاحقاً براعتها في الرسم وهذا أفرحني، وابنتي ساندرا ترسم مثل والدتها وتغني مثلي، وسام ابني صوته جميل جداً ويغني؛ أصبحنا عائلة فنية من دون أن نُقرر أو نتدخل، الصدفة جعلتنا نهوَى كلنا الفن.

• متى بدأت تشعر بأن ولديك سائران على خطاك؟
كنت أغني لهما وهما صغيران قبل أن يناما، وكنت أشعر دائماً بأن الغناء يُفرحهما وكبرا في أجواء فنية، موسيقى وغناء وعدسات كاميرا و«ميكروفونات»، لكنني أصررتْ على أن ينالا شهادات تحميهما من غَدْر الزمان في حال قرّرا امتهان الفن، وهذا ما تم.

• كأنك تقول إن الفن غدّار.. فهل غدر بك؟
صراحة، أعشق العائلة وأخشى الفن. هكذا كنت وما زلت، وكنت أصلّي دائماً كي ألتقي فتاة تفتح بيتي وتجعلني أشعر بدفء العائلة، ولطالما ردّدت: «سأتخلّى عن الفن إذا اقتضى دفء البيت هذا». أدركت منذ البداية أن كل شيء فانٍ في هذه الدنيا ووحده حُب العائلة يبقى.. فأهم وأعظم النجاحات التي نحققها في الفن تنتهي بعد حين ونعود لبيوتنا.

• كثيرون نجحوا قبلك وبعدك في التوازن بين الفن والعائلة؟
هذا الأمر مُمكن، نجحت أنا فيه أيضاً، لكنه يحتاج إلى كثير من الذكاء.. فالفن يتطلب منا أن نُساير كثيراً وأحياناً يتطلب تنازلات. (تدخُل ابنته ساندرا ويتبعها شقيقها سام جونيور، ويتابع سامي كلارك الحديث). شكلت فرقة ثلاثية «تريو» مع سام وساندرا، وطلبت أن يكون لكل واحد من أعضاء فرقتنا الحرية في الغناء منفرداً «سينجل»، أو في شكل ثنائي «ديو» أو ثلاثتنا «تريو» معاً.

• ولداك يُكرران الآن تجربتك الفنية نفسها. ما إرشاداتك لهما بعد أن بلغا سن الـ27؟
آذان سام وساندرا أجنبية، وهما قادران في آنٍ على تأدية العربي الشرقي بكثير من الإتقان، ولدا وهما يُغنيان. الغناء في جيناتهما، ونصيحتي لهما: «لا تفعلا ما قد يجعلكما ذات يوم تخجلان من نفسيكما».

• أنت من جيل سابق، لكنك نجحت في إيجاد لون خاص بك. ماذا عن إمكانية الجيل الجديد من الفنانين في إيجاد «ألوان» فنية عصرية؟
لسوء الحظ، نحن في عصر قلّ فيه الإبداع والكلمات المغنّاة ما عاد لها معنى والحب المغنّى بات سهلاً. هذا الجيل الجديد من المغنّين يجب أن يتحلّى بالقدرة على انتقاد الذات إذا أراد أن ينجح ويُبرع، فنحن في أيامنا كنا نتمسك أكثر بالتفاصيل، وأتذكر أنني بدأت بتأليف الألحان والكلمات منذ كنت طالباً وأسست أول فرقة موسيقية سمّيتها «روبنز»، ولا أنسى يوم وقفت على «مسرح الجامعة اليسوعية» أغنّي، وكان الفنان إلياس الرحباني حاضراً، فانقطع التيار الكهربائي وأنا على المسرح، فلم أتوقف بل تابعت بأغنية صعبة جداً للمغني «توم جونز» (I who have nothing)، ومن دون «أوركسترا». وحين انتهيت توجّه الرحباني نحوي قائلاً لي: «أتمنّى لو أنك تذهب معي إلى اليونان لنُشارك معاً في مهرجان عالمي.. وأول عمل نفّذته مع إلياس الرحباني أغنية (Jamais jamais)، تروي قصة شاب لبناني حمل «جيتاره» وسافر من مكان إلى مكان.

فنان الربيع
قدّم سامي كلارك تسعة برامج تلفزيونية للهواة، و12 برنامجاً إذاعياً. وشارك في ثلاثة أفلام سينمائية، هي: «الممرّ الأخير»، «حسناء وعمالقة» و«لعبة النساء». وفي رصيده 750 أغنية، و73 نشيداً وطنياً. وهو يحب التنوع في الغناء كثيراً، وتفسيره لهذا أنه مولود في هذا الفصل الجميل. غنّى بكل اللغات واللهجات، وله أغنية خليجيّة «أمْرَك حَبيبي أمْرَك»، ارْتدَى فيها (العقال وربطة العنق)، وغنّى «يا أمّ الخلخال الدَّهَب»، و«قومي تا نرْقص يا صَبيّة» ورقص عليها بنات جيل كامل، و«مُوري مُوري»، و«غراندايزر»، وأغنيات كثيرة لاقت رواجاً كبيراً.

بين الأب وأبنائه
قال الفنان سامي كلارك عن ولديه ساندرا وسام: «ساندرا «دلوعة والدها»، أما سام، فيملك طاقة قوية وصوتاً ستُثبت الأيام مَداه». وهنا تبتسم ساندرا مُعلقة: «كل من رآنا منذ كنا صغيرين أخبرنا أننا نملك الموهبة والصوت، وحين دخلنا (الكونسرفاتوار) اشتد عشق الغناء فينا، وأتذكر يوم وقفنا أنا وشقيقي سام على خشبة مسرح المدرسة في عمر الثامنة، وغنّينا «أوبرا» وصفّقوا لنا كثيراً». ويُضيف سام: «قال لنا والدي منذ البداية: افعلا ما تُحبان فأنا درست الهندسة، لكنني عدت ودرست اختصاصاً له علاقة بكل ما للموسيقى من تفاصيل إدارية وتاريخية».