التوأمان السوريتان هنا وغنى صائم الدهر، تُقيمان في أبوظبي، وتُنعشان الجوهر الإنساني في محيطهما، وذلك في تجربة خيريّة غير تقليدية، تتمثل في رعاية وإطعام «قطط» بلا مأوى، وفي عطائهما اللطيف وحبهما غير المشروط لهذه الكائنات الأليفة، تُبرزان جانباً فريداً من تجارب الرأفة بالحيوان.

درست الشابتان الأدب الفرنسي، وتعملان في مجال التدريس الحُرّ، ولكن يومياً وبعد أن يسدل الليل ستائره، ترتدي كل منهما ملابسها وتحملان أكياساً مملوءة بالطعام، تجوبان شوارع أبوظبي بحثاً عن «قطط» جائعة أو مريضة، أو أخرى تحتاج إلى مساعدة من أي نوع، فتقدمان لها كل ما تحتاج إليه، وقد بدا منظراً مألوفاً عند بعض سكان أبوظبي، رؤية شابتين في الشارع أو بمُحاذاة الكورنيش مُحاطتين بمجموعة من القطط الودودة، التي تتسابق في الجلوس في أحضانهما ومداعبتهما، تقدمان لها الطعام والرعاية والقلب الرحيم. وفي جهود يومية مستمرة ومنتظمة تعمل الفتاتان بصمت وبلا أضواء، مثل «ملائكة الرحمة» تجاه القطط، إذ تحرصان على أن تكون آمنة من الجوع وبحالة جيدة.

حُب الحيوانات

تحكي هَنَا عن قصتهما مع القطط قائلة: «أنا وغنى شقيقتي التوأم نعشق القطط منذ الصغر، ولدينا حالياً أربع منها في البيت، فعندما كنا في المدرسة ونصادف في عودتنا بعضاً منها في الشارع، كنّا نضع لها الطعام والشراب، فنحن نعتني بالقطط منذ 20 عاماً، وبشكل يومي في أماكن مختلفة، سواءً أكان في الحدائق أم الطرق العامة القريبة من المنزل ونتعامل معها بألفة، ولم يحدث أن تعرّضنا للأذية من هذه القطط». وتؤمّن غنى على الحديث، قائلة: «تعلمنا حُب الحيوانات ووجوب رعايتها من الأسرة، وعندما أتينا إلى الإمارات لنستقر ونعيش فيها، انتقل معنا شغف العناية بالقطط، الأمر الذي دفعني أنا وشقيقتي إلى مواصلة رعاية القطط».

أطعمة وأدوية

تُخصص التوأمان قسماً كبيراً من دخلهما الشهري من عملهما في التدريس، لشراء أطعمة وأدوية وغيرهما من اللوازم الخاصة بتلك القطط. وتوضح هنا ذلك بقولها: «نشتري الأطعمة الجاهزة ونصنع بعضاً منها وندفع من مواردنا الخاصة، فهو عمل خيري لوجه الله، ويدفعنا إلى ذلك حُب الحيوانات». تضيف شقيقتها غنى: «لم يعرض علينا أحد المساعدة من قبل، ونتلقّى كلمات استحسان من دون الدعم المالي. لكننا قمنا خلال السنوات الماضية برعاية العشرات من القطط، وأنقذنا حياة عدد كبير منها، فمن القطط مَا كان مُصاباً بكسور وأمراض كادت تقتلها». تُتابع: «حملنا الكثير من القطط المريضة إلى «العيادات البيطرية» للعلاج، وبعض الأطباء يقدّرون عملنا جيداً، فكانوا يعالجونها ويعطوننا بعض الأدوية، وحدث ذات مرة أننا قمنا بإنقاذ «رضيع قطة» علق في مجرَى صغير، ووجدنا أمه تموء بهَلع ولوعة، فاتصلنا بـ«الدفاع المدني» الذي حضر مشكوراً، وأخرج القط الصغير بسلام».

شعور جميل

تذكر هنا وغنى أن أكثر ما يسعدهما فيما يؤدّيانه الشعور بالرضا الذاتي، إضافةً إلى تلك العلاقة الدافئة التي تجمعها مع القطط. تقول هنا: «إنها ليست كائنات تأكل وتلهو فقط وإنما تحس وتشعر. ففي تعاملنا عن قرب معها تكونت علاقة خاصة بيننا، نفهم رموزها وإشاراتها ولغة جسدها، حينما تُحرّك ذيلها فرحةً باستقبالنا، أو تصدر بعض الأصوات للتعبير عن رضاها، ونجد في بعض ردود فعلها الشكر والامتنان لرعايتنا لها». تواصل غنى حديث شقيقتها: «نحنُ بشر ويجب أن نشعر بغيرنا، وكذلك بالحيوانات، فمن الصعب أن نرتقي إلى مرتبة الإنسانية إن لم نفعل».

نظرات مختلفة

عن رَدّ فعل الناس حول ما تؤديه الشقيقتان، تُبيّن غنى قائلة: «الكثير منهم يشجعوننا ويُبدون لنا الامتنان فيما نؤدّيه، لكن بعضهم ينظر إلينا باستغراب. كما أننا في أوقات أخرى واجهنا انتقادات كثيرة بشأن هذا الأمر، وعبارات مثل? «لـمَ لا تُطعمان المساكين بدلاً من القطط؟». وكنا نقول دائماً: «إننا نعيش في بلد فيه خير ولا يوجد فيه فقير». تضيف هَنَا بالقول: «في رعايتنا للقطط نعمل للعيش بانسجام مع العالم من حولنا، وتُشاركنا فيه الحيوانات، لذا لا بد أن نُبدي العطف والرحمة بها، فهي كائنات لا يمكن الاستغناء عنها ودورها عظيم في إسعادنا، لكننا بصفة عامة نقدّم العون للجميع». وكما جاء في الحديث الشريف: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطبةٍ أَجر»، وهو واجب إنساني في المقام الأول. فنحنُ «نساعد الحيوانات والبشر ونتمنّى الخير للعالم، ومبدأ العطاء وتقديم العون للآخرين ليس قائماً على الغنى أو الفقر، بل تعتمد على نظرة الإنسان ورحمته للمخلوقات ككل، ولديّ قناعة بأننا عندما نعطي فإنّ الله يعطينا».