كان ضرباً من الشجاعة الإعلامية، وصدقاً في رؤية الجمال ببُعده الإنساني، أن تُقدم مجلة «زهرة الخليج» في عدد سابق على تزيين غلافها، بوجه شابة مصرية، ترك مرض (البهاق) آثاره على كامل جسدها، ولوّن بشرتها بلونين. محطّمة بذلك مقاييس الجمال الاصطناعي الذي يتصدّر عادة أغلفة المجلات النسائية، ويتحكّم في المبيعات، لكن الذكاء كان في اختيار امرأة مميّزة غطت نجاحاتها على البقع التي لوّنها المرض، وصنعت يوماً عقدتها.
العنوان أيضاً، كان في صدقه مخالفاً لما اعتدناه «اقبلي نفسك كما أنت».  أخيراً أدركتنا مجلة نسائية بنصيحة في متناولنا جميعاً، لكونها تنطلق من ثقتنا بأنفسنا أولاً، فغالباً ما تكون تلك النصائح التي توجّه إلينا لنكتسب إطلالة النجوم هي نصائح تعجيزية!
أيكون زمن الهوس بالجمال الاصطناعي انتهى؟ وهل بعد أن قمنا باستيراد ظاهرة عمليات التجميل، واشترينا الوهم باسم الجمال، والتصنّع بحثاً عن مظهر طبيعي، وأصررنا على الحصول على شكل يشبه الإطلالة الساحرة للنجوم، سنستورد من نجمات الغرب، نزعتهن الجديدة إلى مظهر طبيعي؟
قبل بضع سنوات التقيت في مناسبة إعلامية بصوفيا لورين، وفوجئت بما تركه الزمن على وجه فاتنة هوليوود من تجاعيد، تجنّت على جمالها الأسطوري، لكنها لم تستنجد بمشرط جراح، بل بمجدها، فغطت بابتسامتها الشهيرة تلك على كل الحاضرات.
لقد غدت نساء اليوم، يشهرن أعمارهن من دون عقد، ليثبتن أنهن على الرغم من العمر ما زلن جميلات وأنيقات، لكونهن يحافظن على لياقتهن البدنية، وسلامهن الداخلي، سرّ جمالهن يكمن في الثقة بأنفسهن، وهكذا هن النساء الناجحات.
لقد خلقت عيادات التجميل نوعاً من النفور من نمط متشابه للجمال أصبح يوحّد طلّة النساء، حتى لا نكاد نميّز بينهن؛ فاجتماع مقاييس الجمال في امرأة لا يعطي جمالاً، فحتى فينوس آلهة الجمال نفسها، هي فاقدة لذراعيها، وهو ما صنع تميّزها وجاذبيتها.
وكلّ عمليات التجميل مهما نجحت لا تضمن لك الجاذبيّة؛ ذلك سرّ يولد مع صاحبه. لذا، في المغرب العربي يُطلق على الذي يملك جاذبية لا تنطبق عليها غالباً مقاييس الجمال «مسرار» أي أنه يملك سراً يجذبك إليه.
الجاذبية قد تكمن في الشيء الذي تعتقدينه نقطة ضعفك وعقدتك. قبل أسابيع صدر في فرنسا كتاب للصحافية صوفي فونتانيل بعنوان «ظهور» تحتفي فيه بظهور أول شعرة بيضاء تسللت إلى رأسها. تقول: «لكأنني تلقيّت هدية بظهور أول شعرات بيضاء، فبعدما أخفيت ذعري طويلاً من هذه اللحظة اليوم أشعر بأنني جاهزة لخلع أقنعتي».
إنها ظاهرة نسائية جديدة تأخذ حجماً أكبر كلّ يوم، لقد أصبح الشعر الأبيض إشهاراً لنزعة التحرر، وغدت التجاعيد دليل نضج ومباهاة. آخر الـمُنضمات لحلقة النساء المباهيات بظهور الشيب في رؤوسهن النجمة العالمية سلمى حايك، التي قبل انطلاقها لحضور تتويجها في حفل «غلوب كريستال»، نشرت على حسابها في «إنستجرام» صورة لها، معلّقة عليها: «فخورة بظهور الشيب في رأسي»، مما أحدث ضجة إعجاب وتهنئة لدى الملايين التسعة من متابعيها.
الاحتفاء بما كان يصنع خوفك، وصفة مثالية للشفاء من عقدك، وبلوغ سن النضج والسلام الأنثويّ. كوني شجاعة.. اقبلي نفسك كما أنت!