كل ابنة بأبيها معجبة، ومن شابه أباه ما ظلم، وأمثال أخرى عديدة في ثقافتنا تحكي عن واحدة من أبسط قواعد الحياة، ألا وهي أن الإلهام والقدوة يبدآن في الأُسرة. ويعتبر هذا جزءاً من القوى التي تُشكّل شخصية الأبناء وتحفّز طموحهم خلال مسيرتهم الدراسية والحياة العملية أو تحدّه. وخلال حضوري القمة العالمية للحكومات بدورتها السابعة مؤخراً، استحوذت عليّ فكرة أن هذه المكانة التي وصلت إليها دولة عربية هي الإمارات، تُشكّل درساً أكثر أهمية من أي درس يتلقاه أبناؤنا على مقاعد الدراسة ولا بُد أن ننقله لهم.
مثلما هناك والدان في كل أسرة، لا بُد ألا تفوتنا حقيقة أن هناك أباً وأماً اجتمعا في شخصية واحدة هي الوطن، فلماذا لا نربي أبناءنا وبناتنا بطريقة مبتكرة نجعل فيها إنجازات الوطن جرعة من الطاقة الإيجابية، نُغذي بها شعور الأبناء على اختلاف أعمارهم بالفخر والاعتزاز بالوطن. كثيرة هي المناسبات والفعاليات التي نحضرها بحكم دورنا في حياتنا العملية، وغالباً ما نتجنّب خوض تفاصيل هذه المناسبات مع الأبناء، إما لأننا نعتقد أنها خارج دائرة اهتماماتهم أو لأن الوقت لا يزال مبكراً في نظرنا لنشغلهم بهذه الأمور.
أنا أعلم أن جانباً من عناصر المنهاج الدراسي يتضمن محطات سابقة من الإنجازات الوطنية والإشارة إليها، لكن هل هذا يكفي؟ أم أننا نحتاج لبث حي منزلي ودراسي في المدارس، وأكاديمي في الجامعات والكليات، ينقل للجيل الحالي ما حققته الدولة من إنجازات كانت حُلماً في الماضي. فمثلاً هل يعلم أبناؤنا أن أبرز وألمع قادة العالم اجتمعوا في الإمارات ليبحثوا مستقبل العالم؟ وهل جرّبنا في مساء اليوم الأوّل من حدث كالقمة الحكومية أن نخبرهم بوجود ممثلي 140 حكومة وأكثر من 600 متحدّث وأكثر من 4000 مسؤول جاؤوا للإمارات ليتفقوا، كيف سيكون شكل الغد الأفضل للإنسان وما يمكن عمله لتحقيق ذلك.
بينما يقع الجزء الأكبر من هذه المسؤولية على من هم في مواقعها من موظفين حكوميين وقطاع خاص، الذين هم على تماس مباشر مع هذا النوع من الأحداث لينقلوها كحديث مبسّط لأبنائهم، تبقى مسؤولية الجميع، على اختلاف تخصصاتهم، أن ينقلوها لحوار أسري. أعلم أن اهتمامات الجيل اليوم مختلفة، لكن ما أؤمن بأننا قادرون على إيجاده هو الفضول بمعرفة المزيد عن هذه الموضوعات، وإحداث نوع من العدوى الإيجابية التي تنتقل بين الأبناء في أحاديثهم.
نشأنا نحن وحتى أبناؤنا على الانبهار بما يتحقق في الدول حول العالم، وفي ظل انشغال البعض بهذا الانبهار قد يكون فاتنا الاحتفال بكثير من اللحظات وإدراك حجم وأهمية ما حققناه حتى الآن. اعتدت مع ابنتي مريم هذا النوع من الحديث، وأعتقد أنه أسهم في اختياراتها وتكوين شخصيتها إلى حد كبير، ولكن أعتقد أنه لا تزال أمامنا فرصة لأن يكون هذا النوع من الحوارات مصدراً للاعتزاز واكتساب الثقة بالنفس لدى الأبناء تجعلهم يرون أنفسهم ودورهم أكبر من أي محددات قد تواجههم في مراحل حياتهم المختلفة. فليكن حديثنا في مجالسنا وأمسياتنا بحجم طموح وإنجازات الوطن. فما موضوع حواركم التالي مع أبنائكم؟