حين اخترع ألفرد نوبل البارود كان فرحاً باختراعه، وهو جدير بهذا الفرح الكبير، فلا يمكن تصور أن تشق تلك الطرق في أوروبا عبر جبال شاهقة، دون الديناميت، وحفر المناجم كذلك كان بحاجة لتكسير الصخور، كان الفرح كبيراً عالمياً بهذا الاختراع، وبكل ثقة يمكن القول إن العلم نور وقتها.
ولكن سرعان ما تحول الاختراع السلمي إلى آلة للقتل السهل، فأصبح الطفل الذي يحمل سلاحاً قادراً على قتل مجموعة من البشر، وعلى الرغم من أن الحقيقة الدامغة تقول إن نوبل أسس 90 مصنعاً للأسلحة، معتقداً بأنها سلمية، أو هكذا أراد أن يبرر المُحبون له تصرفه، خاصة بعد أن قرر رصد جائزة تحمل اسمه، وتحول العلم من النور إلى خلاف ذلك، من الخير إلى الشر، فأصبح العلم شراً.
وقياساً على حكاية نوبل، نرى أن العلم الذي عرفناه في المدارس بأنه نور، أخذناه دروساً وقدمناه مسرحيات مدرسية، وهو أشبه ما يقترب إلى المطلق كذلك، فلا يمكن المقارنة بين العلم والجهل، حتى في القرآن الكريم، هناك إشارات إلى أن هداية الله نور والكفر ظلمات (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات).
ولكن ماذا حدث في العلم، لقد تمكن الناس من معرفة بعض التفاصيل في قضية ما، وعرفوا نقاط الضعف فيها، فأصبحوا قادرين على ممارسة الخطأ عن دراية ومعرفة لمصلحة شخصية، على حساب الجانب الإيجابي للعلم، فإن كان الجاهل يخطئ عن جهل، فإن العالم يخطئ عن دراية ومعرفة، منها أن يمارس المدير من خلال معرفته التامة بالقوانين والأنظمة أسلوب التهميش لموظف ما، لا يعجبه على الصعيد الشخصي أو أنه يريد أحد أقاربه في تلك الوظيفة.
إن جهل الجاهل يمكن تداركه، أما الشر الذي يمارسه العالم فإنه يصعب تلافي أضراره، لأنه أشبه ما يكون بالطعن من الداخل، أو طعنة الملم بأبعاد تلك الطعنة وآثارها، وهذا ما يمارسه الكثير من المحامين الملمين بالقانون، فيستغلون علمهم بأسلوب أشبه ما يكون بالشر على خصمهم، وهنا يكون العلم شراً رغم أنه علم، وتصبح المعرفة والإحاطة أذى أكثر ما تكون نجاة.
إن نور العلم وشره بين يدي الإنسان، فيستطيع أن يجعله نوراً، ويستطيع أن يجعله شراً، أصبحنا كذلك في تطور الحياة، بعد أن كان العلم نوراً محضاً في فترات سابقة من حياة المجتمعات، وكان وسيلة للعمل والوظيفة، وكان المتعلم محل فخر أهله وأقربائه، أما الآن فإن رصيد الإنسان هو محل فخر أهله وأقربائه، وقد يأتي هذا الرصيد من استغلال العلم في السوء والشر، أكثر منه في النور، فليس كل العلم نوراً، وليس كل الجهل شراً، فكم من حالة جميلة جاءت من جهل طارئ، وكم من تصرف غبي تسبب بحالة جميلة، أو أوجد لقاء ما كان ليكون لولا سلوك جاهل أدى لذلك.

شعر

محصنٌ بالخجلِ ثغركِ أمْ بالعسلِ

محصنٌ بالخجلِ ثغركِ أم بالجدلِ

أمَ أنه مُدججٌ مستنفرٌ لمقتلي

فإن تحدّثتِ شدا مثلَ غناءِ البُلبُلِ

يطوفُ بالأنخابِ إذْ تمشينَ في تَمَهُّلِ

يُذيبُ فكرَ المدَّعي معرفةً بالقبلِ

ويمنحُ السُّكْرَ بلا خمرٍ ولا تَعلُّلِ

يُريحُ سَمْعَ المشتهي أغنيةً بالزجلِ

به انتشيتُ دونما رشفٍ لثغرٍ ثملِ

بكل حرفٍ يرتمي منه عبيرُ الجُملِ

ثغركِ يا سيدتي يمرُّ بي كجحفلِ

وينشرُ الدفءَ لنا وما لنا من بَدلِ