«ليست الحرب هي القتال في ساحة المعركة، بل تلك التي تشتعل في نفوس أطرافها، تنتهي الأولى والثانية تدوم»، سيكستو فيليب ميندوزا.
تكاد لا تخلو دولة، لها من الحروب نصيب، من متحف حرب يوثِّق التجربة ويقدِّم بانوراما حيَّة لمرتاديه، في فيتنام وكندا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والقاهرة وكثير من البلدان، منها الكويت حتى وقت قريب كان هناك «بيت الأعمال الوطنية» وهو متحف حرب تحت مُسمَّى أكثر لطفاً.
تميَّزت اليابان في متحف حربها، الكائن في هيروشيما على ضفاف نهر موتوياسو، بأن أطلقت عليه اسم «متحف هيروشيما التذكاري للسلام»، وسط حديقة تحمل الاسم ذاته، ليكون دعوة سلام لمرتاديه الذين يقتربون من معايشة أحداث القنبلة الذرية المقيتة وأثرها على الإنسان والبيئة بكل ما فيها من حيوان ونبات وصروح تاريخية.
هي تجربتي الفريدة في ذاك المتحف الموسوم بالسِّلم، مساحة تواجهك بالإنسان الذي في داخلك، تجربة تعيد ترتيبك من الداخل وتحرِّرك من كل انتماءاتك الضيِّقة، تكرِّس فيك جوهر الإنسان الذي ينبغي أن تكونه. لا إدانة لغير الحرب، لا تأجيج ضدَّ عدو ولا تأليب على الآخر ولا ادعاءات بطولات وهمية. متحف سلام يقول إياكم والحروب وكفى.
تجاربي الأخرى في متاحف الحروب كانت رديفة لشعوري بالضيق والتحامل والقتامة، شيء يُشبه ثقافة «كي لا ننسى» التي نمجِّدها في عالمنا العربي، إحياء لحفلات اللطم والندب والمظلومية، أو تكريس انتصارات وهمية تعوض نقصاً في نفوسنا، ولا تمنحنا إلا مزيداً من الكراهية.
سألتُني عند بوابة المتحف الياباني حول ما أتوق لنسيانه، وما أرغب بادِّخاره في ثنايا الذاكرة. أتوق لأن أنسى عداوات الأمس مع جار يجمعني به تاريخ ولغة وعلاقات نسب وحرب واحدة أثقلت كاهلي كراهية، ولا أرغب في شيء إلا استعادة محبة قديمة لوطن حُلم، أُمجِّد فيه السِّلم وإفشاء المحبة واحترام الآخر. أريد أن تنتهي الحروب في عالم شحَّ فيه السِّلم، وأحلم بهدم متاحف الحروب في كل العالم، وإعادة بنائها، مثل اليابان، متاحف سلام أبدي.
بعد انتهاء الحرب، أي حرب، تُشيَّد لها المتاحف إحياء لذكراها؛ ولما ضاق السِّلم بمتاحف الحروب شيَّدت له اليابان متحفاً.