ما معنى أن تعيش وتجعل الآخرين يشعرون أنك لاتنتمي إلى هذا العالم؟ بل ما معنى أن تكوّن سؤالاً ودهشة، كأنك خارج من روايتك الخاصة التي لا تشبه إلاك؟.. حكاية داخل حكاية، إنه كارل لاغرفيلد إمبراطور الموضة والمدير الإبداعي في دار شانيل وفيندي، الذي غادرها وغادرنا أمس، مثيراً حوله الكثير من الضجيج، وكأنه شاعر مخيلة الأزياء، الذي حمل نظريات وهمية بمخيلته الخصبة ليردد من عرفه: "نعم إنه شخص غريب لاينتمي لهذا العالم". الألماني الذي عاش في باريس، والذي شكلت وفاته في 19 فبراير 2019 فرصةً للتأمل في فن تصميم الأزياء، وفي التراث العريق الذي قدم له لاغرفيلد أكثر من 60 عاماً من عمره.

 

لكارل العديد من الحكايات التي تستحق الذكر إذ يملك إيماناً فريداً، كيف يجب أن يكون أسلوب الحياة الخاص بالأفراد، وله مساهمة فريدة في تطوير علم الرجيم. استيقظ كارل في صباح 1 نوفمبر من عام 2000، وشعر أنه لم يعد راضياً عن جسده الذي زاد وزنه عن الحد المعقول، فقرر أن يصبح بهيئة رجل عاشق نحيف، واستطاع فعلاً أن يخسر خلال سنة وشهر فقط، 92 رطلاً أي ما يعادل 42 كيلو غرام من وزنه ليتحول جسده من ممتلئ إلى نحيل جداً كقلم الرصاص. وذلك بمساعدة طبيب وطباخ وفي ذلك الوقت كان يقترب من عامه السبعين. والسبب الذي دفعه لانقاص وزنه في سن السبعين هو أنه أراد ارتداء تصاميم هايدي سليمان الرجالية، فالريجيم كان بالنسبة له نوع من النضال.

 

فكيف استطاع أن يفعل ذلك؟  

مثل العديد من المشاهير الذين خسروا الوزن قبله، تبنى كارل نظاماً غذائياً خاصاً، باعه فيما بعد للجمهور في كتاب نشره عام 2005، بعنوان The Karl Lagerfeld Diet. لم يكن فقدان وزن سببه المشاكل الصحية، بل بسبب رغبته في ارتداء ملابس عصرية وجميلة أصغر قياساً لرجل نحيل ووسيم.

سُميَّ نظام لاغرفيلد الغذائي Spoonlight Program، وهو نظام قليل الدسم، ومنخفض السعرات الحرارية، وغني بالأسماك، واللحوم الخالية من الدهون والفواكه، والحليب الخالي الدسم، والكثير من الخضروات، وتجنب الكحول والكريمة والسكر والكربوهيدرات الأخرى، بما في ذلك الخبز والمعكرونة ومعظم أنواع الأجبان واللحوم الحمراء. وكان كارل يتناول حبوب الغرانولا حين يشعر بالجوع ، وقد منعه طبيبه أخصائي الحميات الذي ساعده بتأليف الكتاب، جان كلود هودريت، ومن تناول أي شيء بين الوجبات.

في عام 2002، ظهر "كارل العظيم" كما يطلق عليه في أوروبا أمام الجمهور في حالة مختلفة تماماً، خلال فعاليات أسبوع الموضة الفرنسية محدثاً حوله ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعية، ويومها أطلقوا عليه لقب "كارل الجديد". غمرت صوره جميع صفحات الصحف الشعبية المعروفة، وغير المعروفة، وتملك الجمهور حالة من الحيرة نظراً للتغيير الهائل بشكل المصمم وطلته.

أول قطعة ارتداها بعد خسارته الوزن كانت سترة من صنع هايدي سليمان من علامة ديور صممت خصيصاً له، ليحقق بذلك حلمه في ارتداء أزياء مصممه المفضل. يؤمن كارل أنه من الصحي أن يكون مقاس الشخص مناسب للملابس الجاهزة، بدلاً من العبث بها وتغييرها لتصبح مناسبة لمقاسه.

في كتابه عكس كارل منهجه فكر جيله في فقدان الوزن، والذي يتناسب تماماً مع معايير اليوم، وروج لفكرة أن أخصائيي الحميات يجب أن يحتضنوا الموضة وليس الصحة أو العافية كحافز أساسي، وقال: "ليس هناك ما هو أسوأ من النظر إلى الملابس ذات الحجم الصغير التي يود الشخص أن يرتديها ولكنها بالتأكيد ضيقة للغاية بالنسبة له"، واقترح أيضاً على أخصائيي الحمية أن يغيروا منهجهم واعتقادهم بأن قوة الإرادة هي الدافع الأساسي لخسارة الوزن.

قدم كارل في كتابه الكثير من الطرق التي تساعد في مكافحة السمنة، بمساعدة أخصائي التغذية جان كلود أودري، بالإضافة إلى طرق لتقليل الوزن، والعديد من الوصفات والنصائح المهمة الأخرى، ويوجه كارل كتابه هذا للأشخاص الذين يرغبون حقاً بتعلم فن الحمية، وخسارة الوزن. وبحسب كارل لاغريفلد فإن الموضة هي "الدافع الصحي لفقدان الوزن"، كما أنه لم يمتلك وقتاً للأشخاص الذين يريدون إنقاص الوزن لأسباب صحية. فبالنسبة له، إن فقدان الوزن هو سعياً جمالياً يتمحور حول المظهر.

 

قال كارل: "لقد كنت متعايشاً مع وزني الزائد ولم أواجه أي مشاكل صحية أو عاطفية، لكنني أردت فجأة ارتداء الملابس التي صممها هيدي سليمان الذي كان يعمل في دار سان لوران وبعدها في ديور والذي يتميز بأزيائه المناسبة لنحيلي الوزن، وبصراحة لم أكن أعتقد أنه من الممكن أن أفقد الكثير من الوزن في عام واحد".

وعلى الرغم من أن صور الأزياء الظلية الرشيقة برزت على المدرجات في العقد الأول من القرن العشرين وكانت محفزاً كبيراً لخسارة الوزن، صرح كارل أنه في حال عادت الملابس الفضفاضة إلى الأزياء، "قد يفكر باكتساب الوزن مرة أخرى"، ولكنه لم يُرِد ذلك لأن فقدانه للوزن انعكس صحياً على أسلوب حياته إذ بات يعمل بشكل أفضل من أي وقت مضى ولا يشعر بالتعب أبداً كما أنه ينعم بنوم هادئ يومياً دون الحاجة لتناول أقراص النوم. 

"الحمية يجب أن تكون كنوع من العقاب"هذه النظرة الحادة ،إذ يرى كل من لاغرفيلد وهودريت بأن الحرمان كجزء من مشروع التخسيس. وقال لاغرفيلد في مقابلة سابقة: "يجب أن يكون نوعاً من العقاب ويجب أن يخضع الشخص لقانونه العسكري الخاص"، بينما قال أخصائي التغذية هودريت: "أنت جنرال ولديك جندي واحد في جيشك، يجب عليك إعطاؤه تعليمات ويجب عليه القيام بها، قد يضايقه ذلك لكنه لا يملك خياراً آخر".