يمثل متحف «تيت مودرن» في لندن، نموذجاً مثالياً لـمَـا تكون عليه المتاحف في القرن الحديث، إذ تحتضن أعماله أفكاراً غريبة،
تُحلق عالياً بالخيال وتعكس تأملات مصمميها وإبداعاتهم ، تدل على أسلوب وفلسفة الحياة والفنون خلال فترات مختلفة.

سُمّي بهذا الاسم نسبة إلى الصناعي الثري هنري تيت، الذي رغب في إهداء مجموعة من الفن البريطاني إلى «المتحف الوطني»، لكن لم يكن هناك أي مساحة فيه لوضع تلك الأعطيات الثمينة، فأُسس معرض جديد مُخصص للفن البريطاني وهو «متحف تيت»، الذي فُتحت أبوابه عام 1897، في موقع واحد لعرض مجموعة صغيرة من الأعمال البريطانية الفنية.

محطة كهرباء
عام 2000 افتتحت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، المتحف الجديد، ولاحقاً تم تشييد مبنى هرَمي الشكل، مُلحَق بالقاعة مُكوّن من 10 طوابق وبارتفاع 65 متراً، افتُتح في يونيو 2016.
اليوم يشغَل المتحف مكان محطة طاقة «بانكسايد» سابقاً، وهي محطة كبيرة لتوليد الكهرباء كانت تعمل بالنفط، على الضفة الجنوبية من «نهر التايمز»، على الجانب المقابل لكاتدرائية «سانت بول». ويشكل جزءاً من «مجموعة تيت» (جنبا إلى جنب مع تيت بريطانيا، تيت ليفربول، تيت سانت إيفيس وتيت أونلاين). جُعل ما كان في السابق القاعة الرئيسية للمحركات التوربينية في محطة الكهرباء مساحة فارغة؛ لإعطاء انطباع وشعور بالفضاء والقوة، بينما تتمحور قاعات عرض الأعمال الفنية حول القاعة الرئيسية في طوابق عدة.

أعمال فنية
اقترن تجديد «تيت مودرن» بعرض أعمال أكثر من 300 فنان من نحو 50 بلداً، كما يعرض أعمالاً فنية بريطانية تم إبداعها منذ عام 1900 حتى اليوم، إلى جانب مجموعة من الأعمال الفنية العالمية الحديثة والمعاصرة. ويُعد المتحف واحداً من أكبر متاحف الفن الحديث والمعاصر في العالم، كما تعود نصف الأعمال الفنية لفنانات.
يحتوي متحف «تيت مودرن» على مجموعة متنوعة من اللوحات والمنحوتات والزخارف بأنواعها، فضلاً عن الفن التصويري، كما يضم أعمالاً مُجَسّدة في الملابس ومنسوجات ومواد أخرى، معروضة بأساليب حديثة ذات طبيعة تجريدية قد تصل إلى حَدّ الغرابة. الأبراج مع السلالم الحلزونية، التي تعكس لحظات من التأمل، إضافة إلى العنكبوت العملاق.
وتُعرض حالياً في متحف «تيت مودرن»، أعمال فنية أنجزت بين 1920 و1950، أي في فترة الحداثة الكلاسيكية. تتجاوز 150 صورة، ترجع إلى المغني العالمي السير إلتون جون، وبعض صور المجموعة المعروضة «متجاوزة للزمن»، وتتمتع بشهرة كبيرة، منها لوحة «المرأة الباكية» لبابلو بيكاسو، التي رسمها عام 1937، كرد فعل لفظائع وأهوال الحرب الأهلية الإسبانية.

سريالية
يتميز المتحف بأنه يضم قاعة التوربينات الشاملة، لأعمال فنية ضخمة من السريالية التي أبدعتها الفنانة الفرنسية لويز بورجوا، حيث جسّدت أفكارها الفنية الخيالية في تصاميم عديدة وأشكال مستمدة من اللاوعي والأساطير الخيالية، مُلئت بها قاعة التوربينات.

جسد مارسياس
في داخل «تيت مودرن»، جُسدت الأساطير القديمة، حيث استوحى الفنان البريطاني أنيش كابور من قصة مارسياس، اختراعاً بارعاً يتمثل في دمج جسده المدمى مع آلة موسيقية عملاقة، فصمم قاعة ضخمة فيها آلة موسيقية على شكل جسد مسلوخ ومُدمّى لمارسياس، يخرج منها احمرار عميق يمثل الأوتار والعضلات المسلوخة منه.

«زحلاقة»
اتّخذ الفنان الألماني كارستن هولر من قضية ارتفاع المتحف وعلوه، فرصة لاختبار فرضية الانزلاق والآثار المترتبة عليه، وهل يمكن للانزلاق أن يصبح جزءاً من حياتنا التجريبية والمعمارية؟ وذلك من خلال تصميمه «مزحلقات» ضخمة ترتفع عالياً في فضاء المتحف.
وتضج قاعات المتحف الأخرى بالكثير من الغرائبيات وفنون التجريد، مما جعله الوجهة المفضلة لأكثر من خمسة ملايين زائر سنوياً.