السكري مرض شائع، تراوح خطورته بين الطفيفة والعالية جداً. إذ يتخذ أنواعاً ودرجاتٍ عدة، لسنا هنا في صدد شرحها، إنما نتساءل: لماذا يحصل الداء؟ ولماذا يصاب به، عَمروٌ وليس زيداً؟
نعلم جميعاً أن العامل الأهم هو ضمور إفراز الأنسولين، المسؤول عن تحليل السكر في الجسم. فمن دونه أو عند نقصانه يظل السكر طافياً، فيحيل الدم أشبه بالـ«قَطْر»، ذلك السائل المسكَّر، المسمى «شِيرة» في بعض بلداننا، الذي نضيفه إلى الكنافة واللقيمات وأخواتهما لتحليتها.
ذلك لا يجيب عن السؤال: لماذا يضمر إفراز الأنسولين أو يتوقف؟
يكمن السبب الأساسي في آلية عمل البنكرياس، العضو المكلف بإنتاج الأنسولين. فالبنكرياس «مزاجي»، لا يتقبل الشغل بساعات إضافية، ويرفض أي شحنة عمل تفوق طاقته، ولسان حاله يردد «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها».
لذا، في حال وصول كمية سكر عالية، «يتذمر» البنكرياس ويعلن «العصيان». ويتمثل تركه العمل في حالتين: إما التقاعد التام (أو تقديم الاستقالة)، أو الإضراب عن العمل، لفترة قد تطول وقد تقصر، ومعاودة العمل بعدها، ولو بوتيرة أقل، إن تمت الاستجابة لمطالبه.
الحالة الأولى هي الأصعب. إذ يتوقف تماماً إنتاج المادة السحرية محلياً. فيتعين على المصاب تعويضها من الخارج. وهذه آلية مكلفة ومتعبة وتنطوي على تقييدات وتبعات جانبية كثيرة، إذ ينبغي أولاً، قبل كل وجبة، قياس نسبة السكر في الدم بجهاز خاص، يستدعي شك إبرة صغيرة في طرف أحد الأصابع، للحصول على النتيجة. لماذا؟ لتحديد جرعة الأنسولين اللازمة بدقة، بحسب جداول معينة يقررها الطبيب.
وعقب تحديد الجرعة المطلوبة بالضبط، ينبغي زرقها في الفخذ أو الساعد أو البطن. هكذا، فإن المبتلى بتلك الحالة، نعني استقالة البنكرياس أو تقاعده، يتجشم زرق إبر على الأقل ست مرات في اليوم لثلاث وجبات.
أما الحالة الأخرى، أي إضراب البنكرياس عن العمل، فأهون شراً، إذ تمّ في العقود الأخيرة استنباط أدوية تعدُّ بمثابة «محفزات مهنية» للبنكرياس، فيُنهي إضرابه ويواصل العمل، أقله لتلبية الحد الأدنى.
توصف تلك الأدوية على شكل حبوب وإبرة تزرق مرة واحدة يومياً، على أن يتم ذلك في وقت محدد يختاره المصاب ويلتزم به. فالدواء مصمم لبث مفعوله لمدة 24 ساعة. وتحمُّل إبرة واحدة في اليوم أهون من ست إبر وأكثر.
وطبعاً، في الحالتين، ثمة شروط أخرى تتمثل في الالتزام بحمية غذائية معينة لتقليل السكر وعدم إغاظة البنكرياس. والأهم: الحرص على تناول ألياف أثناء الوجبة: فهذه تعمل عمل شبكة «تصطاد» السكر وتحجره مؤقتاً، مما يؤخر تمثيله ووصوله إلى الدم، بالتالي عدم إثقال كاهل البنكرياس بشحنة عمل عالية في فترة قصيرة، تفادياً لأن «يزعل» مجدداً.