ويرى البعض أن المشاركة في وسائل «التواصل الاجتماعي» أمراً عادياً تفرضه طبيعة هذه الشـبكات، وأنها تبث الطاقة الإيجابية في نفوس المتابعين. وقد نشر موقع (Inc) الإخباري مقالاً، جاء فيه: «حين نتطلع إلى الجانب الآخر من أي قصة حب على شبكات التواصل الاجتماعي، فإنه في معظم الأحيان ربما تكون هذه العلاقة على وشك الانهيار، فالعلاقات العاطفية الناجحة والسويّة لا نسمع عنها في «السوشيال ميديا» إلا نادراً.. فلماذا ينشر المحبون تفاصـيل وصور لحظاتهم معاً؟ وما مدى صدق الصورة التي يحاولون إظهارها عن رومانسية العلاقة ومثاليّتها؟ وهل يمكن أن تكون كل قصص الحب التي نُتابعها على المنصات الاجتماعية مجرّد وهْم؟

اكتساب الثقة
يرى الكاتب الصحافي كامل نصيرات أنه حين تستمتع بوقتك مع شريكك لن تجد متسعاً من الوقت للإشارة إلى هذه السعادة على مواقع «التواصل الاجتماعي»، لأنه كما يقول: «لن يخطر ببالك أن تنشغل عنه للحظة حتى تُطلع أصدقاءك الافتراضيين على ما تفعلانه معاً، فأنت تتمسك بهذه اللحظة الحاضرة المتميزة ولا تُفرط فيها».
يضيف نصيرات: «يكتفي المحبون المستقرون بتوثيق ذكرياتهم بمجموعة من الصور في المناسبات المهمة، وليس عند كل شاردة وواردة. فإن ما نراه من مشاركات مُبالغ فيها، إنما تعبّر عن إحساس أحد الطرفين بعدم الأمان، ومعاناته من عدم استقرار العلاقة وخوفه من انتهائها في أي وقت، بالتالي يحاول أن يستمد التأكيد على نجاحها وإمكانية استمرارها من عدد الإعجابات والتعليقات».

بث الطاقة الإيجابية
تشارك ريمي عبيدات صورها مع زوجها محمد أبو سيف، في مناسبات مختلفة أو حتى أنشطة عادية، وعن ذلك تقول: «وُجدَت وسائل «التواصل الاجتماعي» للتفاعل مع الآخرين بطريقة سهلة وممكنة في أي وقت، فربما لا أستطيع إخبار كل أصدقائي ومعارفي بشكل مباشر أنني أعيش حياة عاطفية جميلة، أو أنني حققت إنجازاً عملياً، لذلك أقوم بمشاركتها عبر تلك المنصات، وأرى أن ذلك يبث الطاقة الإيجابية في نفوس اليائسين ممّن يتابعونني، وسيفرح لي بالتأكيد كل من يحبني، بينما لا أتعمّد على الإطلاق إثارة الغيرة، أو حصد عدد كبير من الإعجابات. فهي ممارسة فرضها احتلال تلك الشبكات جزءاً كبيراً من يومنا».

إثارة غيرة الآخرين
خلص باحثون في المجلة الأميركية لـ«علم نفس الجماعة» American Journal of Community Psychology، بعد استطلاع رأي أكثر من 200 حبيب وحبيبة، إلى أن هناك نوعاً من الأشخاص الذين يستعرضون علاقاتهم العاطفية بكثافة على مواقع «التواصل الاجتماعي»، يستمدون السعادة واحترام الذات من هذه العلاقات، بالتالي يستغلون هذه المواقع للتفاخُر بقصص الحب التي يعيشونها، ونوع منهم يستمتع بإثارة غيرة الآخرين، بينما يعاني آخرون الـ«سيكوباتية» أو الـ«نرجسية». عن ذلك، يقول استشاري «الأمراض النفسية والعصبية» الدكتور خليل أبو زناد: «أثبتت دراسات في «علم النفس الاجتماعي» أن درجة تَعلّق الفرد بنفسه، أو النرجسية، ومدى مرضه العقلي، أو السيكوباتية، يمكن أن تتحدّد من عدد الصور الشخصية الـ«سيلفي» المعروضة على صفحته، إضافةً إلى أن الشخص السيكوباتي يُعدل صوره الشخصية في العادة لتحسينها، ويرتبط ذلك بإحساس المرء (بأنه شيء) أكثر منه إنساناً، كذلك بالنسبة إلى الشخصية النرجسية، إذ ترتبط سمات صاحبها بكثرة الكتابة والتعليق ومشاركة المنشورات والصور».

طريقة غير صحّية
ويضيف أبو زناد: «من المرجّح إصابة الذين يشاركون أخبارهم العاطفية بكثافة عبر الشبكات الاجتماعية بالـ«سيكوباتية» أو الـ«نرجسية»، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تُشعر هؤلاء بقيمتهم بين الناس، وهي طريقة غير صحّية، لأنها تعتمد على نجاح العلاقة العاطفية التي تجمعهم بالطرف الآخر، وهذا يعني أن فشلها أو وصولهم إلى طريق مسدود، يعني حتماً انهيارهم وفقدانهم الثقة بذواتهم، إذ يجدون الأمان والنشوة في التباهي أمام الكل بحُبّهم، والتأكيد أنهم في أحسن حالاتهم وأن علاقتهم متينة لا تُضعفها صراعات الحياة، حتى إن لم تكن كذلك، بينما لا يحتاج الذين يعيشون قصة حب حقيقية إلى إثبات أي شيء للآخرين عبر نشر أخبارهم وأدق تفاصيل علاقتهم، لأنهم يشعرون بالأمان الكافي والسعادة أو على الأقل الرضا على أرض الواقع، فلا حاجة إليهم بخلق عالم وهْمي وافتراضي لاستمدادها من عدد الإعجابات والتعليقات الكبير».

تلميع الحياة
تُعتبر المشاركة في وسائل «التواصل الاجتماعي» أمراً عادياً تفرضه طبيعة هذه الشبكات، إلا أن نوعية المنشورات ووتيرتها تعكسان معلومات يحاول المستخدم إخفاءها، وتعطي مؤشرات عن حالته النفسية لأي متخصص، بمجرد إلقاء نظرة عليها. في هذا السياق يقول الباحث والكاتب محمد القاق، مؤسس المجموعة الإعلامية (حبر): «تبعاً لدراسة حديثة أجريت في بريطانيا عن مُدمني النشر في موقعي «فيسبوك» و«انستجرام»، أنهم في الأغلب يشعرون بعدم الرضا عن حياتهم وقلة الثقة بأنفسهم، وأن سَيْل المنشورات الشخصية ما هو إلا محاولة لإضافة بعض اللمعان على حياتهم». موضحاً: «إنه في إطار التجربة التي أجراها الباحثون على 5000 بريطاني، تبيّن أن مستخدمي مواقع «التواصل الاجتماعي» يشعرون بالفشل وقلة الإنجاز أكثر من أولئك الذين يعيشون بعيداً عنها، فبحسب المعطيات التي أوردتها الدراسة، فإن 56% من مستخدميها غير راضين عن أدائهم ونظرة المجتمع إليهم، وهذه نسبة كبيرة مُقارنة بـ30% وسط المشاركين من غير المستخدمين «المدمنين» على النشر في هذه المواقع».

تعزيز الثقة المزيفة
ويضيف القاق: «بحسب تحليلي لنتائج الدراسة ومحاولة تفسير اسبابها، يتضح أن سبب الخيبات التي يتعرض لها من يستخدم شبكات التواصل هي المقارنة، فوسط المئات أو الآلاف من الأصدقاء الذين يعرضون إنجازاتهم وتفاصيل حياتهم المشوّقة وعلاقاتهم العاطفية بشكل يومي، تنمو ثقافة المقارنة بين إنجازات المستخدم الحقيقية وما عرضه معارفه وأصدقاؤه في العالم الافتراضي، الأمر الذي يسبب خيبة أمل وتقليلاً للتقدير الذاتي عند الشباب ونظرتهم إلى حياتهم العاطفية، خاصة إذا لم يكن المستخدم واعياً لاحتمالية أن تكون المنشورات مبالغاً فيها». ويؤكد القاق: «في المقابل، من يعيش أغلب حياته في العالم الحقيقي، لا يعرّض نفسه لمواقف كثيرة تستوجب المقارنة؛ لعدم توافر المعلومات بتلك السهولة التي يوفرها العالم الافتراضي، لذا يميل الشخص أكثر إلى تقدير منجزاته والعمل على تطوير نفسه والرضا بحياته مع الشريك، بعيداً عن الاستعراض وهوَس النشر».

انعدام التواصل الإنساني
يقول الباحث محمد القاق: من المقلق أن يدخل المحبون دوامة انعدام الثقة ومحاولة تعويضها بالمبالغة في نشر المشاعر الوهمية، من أجل جمع أكبر عدد من التعليقات الإيجابية، بدلاً من اكتسابها بالاكتفاء الذاتي النابع من الداخل، والتفاعل الحقيقي مع الطرف الآخر، مشيراً إلى إمكانية انعدام التواصل الإنساني المباشر والحقيقي، ويوضح «الإفراط في استخدام وسائل التواصل قد يخلق مع مرور الوقت شخصية مثالية ونموذجية من كل من هؤلاء المستخدمين، فتكون جميلة وناجحة وسعيدة على الصعيد الشخصي، وتقضي وقتاً ممتعاً في أماكن عدة، لكنها أيضاً غير حقيقية ولا تشبه الواقع، وهو ما يُضلل ويُربك المستخدم نفسه وأصدقاءه الافتراضيّين».