لتكن الكرامة آخر غنائمكِ عند الفراق. لا تقتفي آثار حب مضى. لا جدوى من تتبّع خطى من صفق الباب خلفه ورحل. احتفظي بحذائك لمشاوير أجمل، ولتكن لك مهمة أنبل من شغل دور شارلوك هولمز، في أزقة الماضي.
لا تسألي على أي صوت يستيقظ، وعلى أي رسالة هاتفية ينام؟ ومن هي التي تعدّ له مائدة الحبّ ليلاً؟ وأيّ كلمات سيتناول مع فطور الصباح؟
لا تسألي من يواعد إن تأخر، ومن يرافقه حين يسافر؟ لستِ معنية بمعرفة على من يحنو وعلى من يقسو، على من يستيقظ وعلى من يغفو؟
لمن يرتدي ثيابه الأنيقة ولمن يخلعها؟ مع من يستمع إلى أغنية في سيارة كان لك مقعد فيها بجواره؟ وهل ما زلت لحنه الأوحد، أم انساق قلبه لنغم جديد؟
لا تستنزفي طاقاتك في مشاعر لا تُفضي إلى حلّ، ولا تؤذي سواك، فالأسئلة الموجعة تستغرق نصف عمرنا، ثمّ عند فوات الأوان، ننتبه إلى أن الأجوبة ما كانت مهمة ولا مصيريّة إلى ذلك الحد. الأسئلة هذيان العشاق عند الفراق، مساءلة للكائنات ولأزهار المارغريت، ولأغاني المذياع، ولفنجان القهوة مع كلّ ركوة صباحية.. وكم تسخر الأجوبة من العشاق!
* * * *
ليس ما فقدناه ما يوجعنا، بل أشياء الغياب حين تستفرد بنا، وتحاصرنا وتذكرنا بفقدانه. نولد مع الحب، لذا عندما يموت ينطفئ كلّ ما فينا.
عند الفراق، نكتشف للأشياء نزعات ساديّة ما كنا ندري بها، فأبسط الأشياء تتحوّل إلى أداة للتنكيل بنا، لأنها تدري ما تعني لنا.
ليس ما يؤلمني كونك عن كبرياء لا تسأل عني، بل كون كل الأشياء تسأل عنك، ولا أملك لها أجوبة:
لماذا هي ترتدي حدادك؟ ولماذا مذ افترقنا ما زالت ثياب مباهجنا معلّقة على مشجب خلافاتنا لا تغادر خزانتي؟
هي تسألني أيضاً.. هل خانتني بدلاتك الأنيقة، وأحذيتك الفاخرة، وغليونك؟
وعندما أجلس للكتابة، تسألني الكلمات: هل خانتني كلماتك؟ لا تدري اللغة بأن رجلاً مثلك في صمته تكمن خيانته.
* * * *
مواسم مرّت مذ افترقنا، ولا أدري بكم فصل أقيس غيابك.
«عشرين مرة إجا وراح التلج» هكذا كانت فيروز تقيس غياب شادي، غير أنّ شادي لم يكبر ولم يعد. كان يلعب حين أخذته الحرب. لكن لا حرب فرّقتنا، سقطنا مضرّجين بعشقنا في معركة كنّا فيها فرسان الغيرة وضحاياها.
لشكوكك عمر الثلج، لغضبك عمر الرياح، لكبريائك عمر الشمس. كم يبلغ عمري بعدك؟ كم كان عمري معك؟ وكم تراك بلغتَ من العمر بعد غروب الحب؟ أيّ غيمة مضت بك ولم تعد؟