غريب كيف نستقبل المطر! فمهما تقدّم بنا العمر لا زلنا نفرح به، كطفل في لقائه الأوّل مع العزيز المطر، وذكرياته مع حفرة الماء الصغيرة التي يقفز فيها، مُعلناً شارة بدء يوم من المرح الشتوي النادر. لا زلنا نفتح له النافذة أو نندفع إلى الخارج ليطبع قبلاته على وجهنا، وبالتأكيد لست الوحيدة التي تسرح بنظرها للحظات خارج النافذة إن أمطرت خلال العمل، فما سرّ المطر؟ لا يختلف اثنان على أن الماء هو الحياة، ولكنني أبحث أبعد من ذلك قليلاً عن استبشار الوجوه بالزائر الموسمي.
لن يعرف أحد التفسير كما تعرفه قطرة المطر، لذا راقبتها وحلّلت وقعها على وجهي ونفسيتي ونظرتي للعالم حولي، ولماذا أحب الجلوس في حديقة البيت وأحب رائحته ورائحة الأشجار وهي (خرسانة) مبتلة به، فوجدت أننا نشتاق له لأننا نتوق إلى الراحة التي تهل بقدومه وكأن رائحة اختلاطه بالرمل عطر حصري لا يمكن شراؤه! بل أكثر من ذلك، هطول المطر يغسل أرواحنا فيفوق الماء الذي يغسل أجسادنا فقط.
موسم المطر حالة وجدانية تتهيأ لها الظروف بهطله، فهي حالة تُعلن فرصة البدء من جديد، فمهما كانت حال الأرض والشجر والمدينة ككل، فالمطر يمنحها وجهاً جديداً. فهل يمكننا إيجاد آلية تتيح لنا استمطار راحة الأنفس، كتلك التي يُستمطر بها الغيم؟ في رأيي نعم، ولكن بشروط، فهناك نُسخ متعددة من تأثير المطر في حياتنا، فهناك راحة مرتبطة بطقوس صباحية أو مسائية، كالاستيقاظ على صوت أمي بارك الله بعمرها أو وقع دعائها، وهناك أشخاص مجرّد أن نصادفهم نستبشر وتحلّ علينا الإيجابية، وهناك الراحة الناجمة عن الإنجاز والتفوق على الذات والقائمة تطول.
أكاد أسمع كثيرين يقولون، إنه لكل موسم وموقف شعور يحضر معه، لكن ما أؤمن به أننا قادرون على الاحتفاظ بأجمل ما في كل موقف، ونستحضره لحظات عند اللزوم. من العادات التي طورتها على مر السنوات الماضية، هي أن أدون ولو بسطر واحد ما أحدث فرقاً في يومي أو حتى أسبوعي، وقراءتها لاحقاً كمصدر للراحة والسعادة في الغالب أو حتى دروس أتذكرها تجعلني أقوى وأقدر على مواجهة المواقف.
من منّا لا يستخدم الدواء وصفة عند اللزوم؟ جميعنا نفعل، فلماذا لا نحتفظ بوقع حبات المطر في قلوبنا؟ لأمطار الغيم بالتأكيد وقع آخر، ولكن قطرات أمطار اللحظات السعيدة والإيجابية متاحة في حياتنا على مدار العام. على ورقة هناك في زاوية صديقة لي بالمنزل احتفظت بانتعاش الروح حبة إيجابية عند اللزوم، فهل لديكم صفحات أو صندوق تستحضرون منه حبّات المطر عند اللزوم؟ كل موسم شتاء وأنتم بخير ومبارك لكم الرحمة.