هناك معانٍ محددة بمفهوم الناس للكلمات، هو المعنى الثابت والمتعارف عليه حتى لو اختلفت عن معاني القاموس، وكلمة بذخ لا تذهب بعيداً عن المعنى المتعارف عليه، وهي الإفراط أو الإسراف في المأكل والمشرب والملبس مع الافتخار، ولا يبتعد البذخ عن الافتخار والتباهي، وإن كانت في المأكل أكثر استخداماً.
والبساطة هي النقيض لذلك البذخ، والبساطة لا نراها بصورتها الكاملة إلا في مرآة المقارنة مع البذخ، فالناس في القرى يعيشون بمستوى واحد لا تعريف له، فليس هناك بذخ ليقال إنهم يعيشون البساطة، والحديث عن حياة الريف والقرى هو وصف من أهل المدن، التي تتفاوت فيها الحياة بين الرفاهية والبساطة والبذخ والإسراف والبخل.
حياة المدينة إذن هي التي أوجدت هذه المتناقضات في السلوك البشري، أما القرى والمدن فهي متسقة من نفسها ومنسجمة بما هي عليه، فلا فقر من دون وجود غنى، فالغني يظهر فقر الفقير، كما يظهر الكريم البخيل، فلو أن قرية ما بخيلة فلا يقال عنهم بخلاء إلا لو قارناهم بقرية مشهورة بالكرم.
والبساطة تقال عادة على نوعين من الناس، سلوك عام في قرية أو ريف، وسلوك مقتدر على البذخ ولكنه يمارس البساطة في ملبسه وولائمه للضيوف، وجميع السلوك التي تتصف بالبساطة، وغالباً ما تكون العدوى للأصحاب والأصدقاء بهذا السلوك، كما يصيب البذخ بإغرائه الآخرين، وكثيراً ما يحدث أن يكون هناك أصدقاء أحدهم يستمتع بالبذخ والآخرون يمارسون البساطة، فالصداقة لا تبنى على السلوك الشخصي فقط.
والبساطة هي التي تبقى في الذاكرة عن الآخرين، حين تكون من مقتدر، فالحاكم الذي يمارس البساطة بالتعامل مع شعبه، تكون محور الإشادة والحديث عند الناس، فالناس يغريهم الحديث عن تواضع المقتدر أكثر ما يغريهم الحديث عن بذخ المقتدر.
وهذه المجموعة من الناس الذين يعيشون البساطة بكل جمالها، يستحقون أن يقال عنهم إنهم يمارسون بذخ البساطة، حيث إنهم وصلوا إلى منابتها الجميلة المؤثرة، وتمكنت منهم البساطة كمبدأ وقناعة، فإن كان البذخ هو الترف المكلف، فالبساطة هي أيضاً ترف غير مكلف، حتى إنني يمكن أن أجزم بأن الباذخ تصعب عليه البساطة، وربما يراها نقصاً، بينما البسيط يستطيع أن يمارس البذخ من دون أن يراها فخراً للتباهي.

شعر

باذخٌ حبك في بسطتهِ

باذخٌ حبكِ يا عمري تعالي

فارفعي هامة حبي وتباهي

بيننا ألفُ حديثٍ وسؤالْ

لم نزلْ نكتبُ عن آمالنا

بيننا أرضٌ ترامى حدُّها

ما تخفَّى عن مسراتِ النواهي

بيننا في كل ميدانٍ نزالْ

أنتِ لي كاللحنِ في رقتهِ

سهرٌ صدقٌ وعودٌ ورضا

وعن الغيبة والأحقاد ساهي

فرحٌ عشقٌ وشعرٌ وخيالْ