حين نسمع كلمة «الغجر»، يتبادر إلى أذهاننا تلك المجموعات الموسيقية المتنقلة أو الراقصون المتجولون في عربات ملونة، أو قرّاء الكفّ والحظ، وكاشفو المستور والمحسود والمسحور. والغجر في اللغة هم الجفاة المتجوِّلون، والغجري تعني المتشدد، المتسكع، والمتحلل من مواصفات المجتمع وقيَمه، وهم منتشرون في جميع القارات، يتمسكون بتقاليدهم الخاصة، ويعتمدون في معيشتهم على التجارة، أو عزف الموسيقى وقراءة البخت، أو التسوّل، أو بعض الصناعات الخفيفة.


دُويلات داخل الدول
يشكل الغجر، كما يقول رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة مؤتة، الدكتور حسين محادين، ثقافة فرعية مختلفة في جوانب، ومتقاطعة في أخرى مع الثقافة العامة للمجتمعات الموجودة فيها، كذلك في جوانب رئيسية وحاسمة، وكانوا ولا يزالون بمثابة سؤال ولغز مُثير يُحيّر الكثير من الناس البسطاء منهم والباحثين على السواء. يضيف د.محادين: «كان الغجر موضع بحث وتحليل العديد من المتخصصين في علم الاجتماع والتاريخ، فبحثوا حول فرَضيّات أصولهم وتسمياتهم، والـ«هولوكوست» الذين تعرضوا له والسمات المشتركة لهم في العالم، وتاريخ تنقلاتهم وأماكن وجودهم، وأنْسَاق حياتهم القرابيّة والدينية، ودور المرأة في الحياة الاقتصادية ومكانتها الاجتماعية، والضبط الاجتماعي والاتصال الحضاري مع مُحيطهم المجتمعي والتكيّف الاجتماعي لهم».

الغجر في الأردن
يعود تاريخ الغجر في الأردن إلى ما قبل تأسيس الإمارة، وهناك روايات متعددة عن أصولهم، بعضها يتحدث عن أنهم من الهند، والآخَر يؤكد أنهم من أصول بني مُرّة، الذين تشتتوا بعد «حرب البَسُوس» مع قوم بني تغلب «قوم الزّير سالم»، حيث حلّت لعنة «جَسّاس» على قومه، والتي لا تزال عواقبها موجودة حتى اليوم في الشتات وعدم الاستقرار في مكان، والرحيل بوضح النهار. إلا أن هذه الرواية لم تُعْتمَد تاريخياً وعلمياً على الرغم من تمسكهم بها. ويطلق البعض على الغجر اسم «النّور»، لشدّة جمال بناتهم، وهو اسم مشْتَق من النُّور، أي الضوء المنبعث من السماء.
يتوزع «غجر الأردن» في مناطق متفرقة بأعداد كبيرة، وأحياناً بـ«خيَم» عدّة في مكان ما قريباً من المدينة التي يختارونها. كما توجد لهم مخيمات كبيرة في مناطق متعددة، ويتنقلون بين المناطق بحسب الفصول، ويبلغ عدد القبائل التي تدّعي أنها تنحدر من بني مُرّة 63 قبيلة مُتماسكة اجتماعياً، ويتراوح تعدادهم من 70 إلى 80 ألفاً، ويحملون الأرقام الوطنية. ويتمسك الغجر بعاداتهم وتقاليدهم الغريبة عن مجتمعاتهم، ولهم لغة خاصة. يعملون في مهن تاريخية لهم، فتراهم باعة متجولين، أو يحملون حقائب فيها معدّات لتصليح الأشياء، كما يعملون في المزارع والأشغال المعدنية والخشبية والنجارة، وقراءة الطالع والكف والبخت، لكن النظرة إليهم كأشخاص في المجتمع الأردني تتسم بالنّبْذ وتجنب التقرّب إليهم.

عزل المرأة
كانت تُعتبر المرأة الحامل عند الغجر غير طاهرة، وبالتالي تُعزل في خيمة منفصلة بعيدة، وعند موعد الولادة تذهب الأم بعيداً بمفردها إلى شجرة حيث تضع مولودها هناك، أو تضع مولودها في خيمة أخرى، وتستمر فترة العزل للمرأة بعد الولادة لمدة تتراوح بين أسبوعين وشهرين، ويُمنع الزوج من زيارتها أورؤية طفله، بعدها تمارس حياتها العادية اليومية بصورة طبيعية، وقد تغيّر هذا الوضع وأصبح في مقدور الغجرية أن تذهب إلى المستشفى للولادة، ويستطيع الزوج أن يزور زوجته وطفله.

فجوة عميقة
كانت مجموعات كثيرة من الغجر تعيش حياة صعبة، في بيوت من «الخيش» أو «الخيم البلاستيكية» على حوافّ المدن التي يختارونها وعلى جنبات الطرق، تُسمّى «خرابيش»، بلا ماء ولا كهرباء ولا مَرافق صحية ولا مدارس ولا تأمين صحي ولا ضمان اجتماعي، ويتنقلون حسب تغيّر الفصول، ومع ذلك منهم من استطاع الانفكاك من إرث عاداتهم وتقاليدهم الغريبة، فتكيّفوا مع الأوضاع المعاصرة، وأصبحوا يمارسون أدوارهم المعيشية كاملة مُنخرطين في المجتمع تماماً، لكن تبقى معاناتهم التفرقة في التعامل الاجتماعي، خاصة في أمور الزواج، إذ لا تزال النظرة الطبقية التقليدية لهم والمشوبة بالازدراء حاضرة بشكل جَليّ. وتعود الفجوة العميقة بينهم وبين المجتمع للأفكار الخاطئة التي ترسخت في الأذهان عنهم، بأنهم قوم رُحّل ولا أمان لهم، وأن حياتهم مبنيّة على الدّجَل والسحر والشعوذة، على الرغم من أنهم أثبتوا ولاءً وإخلاصاً منذ الاعتراف بمواطنتهم منذ تأسيس الدولة، مما يُعزّز شعور الغربة لديهم.

موروثات غريبة
من المعتقدات القديمة في موروث الغجر الاجتماعي، أنه من العار على المرأة حين تتزوج أن يعمل زوجها، لذلك تحتل النساء في المجتمع الغجري احتراماً ومكانة كبيرين، فهي مصدر الدخل المالي والمعيل لعائلتها. وتتميز نساء الغجر بالشعر الطويل المجدول للفتيات، والألوان المزركشة والفاقعة للملابس، وتغيب هذه المظاهر عمّن استوطن منهم البيوت والمساكن الدائمة في الأحياء المختلفة، ولدى الغجر نظام محرّمات قوي.  ويؤمن الغجر بالأسرة الممتدة كوحدة اقتصادية، ويقوم الآباء بترتيب زواجات أبنائهم الذين يتم تزويجهم في الأغلب مُنتصف أواخر سن المراهقة. ويعيش الزوجان في منزل والد الزوج حتى إنجاب طفلهم الأول أو الثاني. وفي أيٍّ من مناسباتهم كالزفاف أو العزاء يتجمعون في مجموعات تصل إلى المئات أو الآلاف.

استنتاجات متناقضة
مئات الكتب خُصصت للحديث عن الغجر، واستُخدمت جميع الوسائل لخرق أسرار أصلهم وفك لغز رحيلهم الدائم وتسلسل اختلاط قبائلهم. عن ذلك يقول د.محادين: «سرّ الغجر لا يزال مُحاطاً بسحر الغموض، ولا يزالون أكثر الشعوب مَدْعَاةً للدهشة في تاريخ البشرية. ذلك أنهم آخر من يمد يد العون لعلماء التاريخ، الذين يَنكبّون على دراسة أصلهم فيخرجون باستنتاجات متناقضة».

طبقات اجتماعية
ينتظم الغجر كما يقول د.محادين في طبقات اجتماعية تختلف في عاداتها وطرق حياتها، موضحاً: «يُصنّف الغجر اجتماعياً إلى مجموعتين رئيسيتين: «الأمانوش» و«الروم». يشكل «الأمانوش» قاعدة الهرم الاجتماعي عند الغجر، ويُقسّم «الروم» إلى ثلاث فئات: اللوارا، والتشوراترا، والكالديراش».