تمثل الصين والهند أكثر من ثلث سكان «المعمورة» (نحو 36%)، بأكثر من مليار فاصلة كذا نسمة لكل منهما. ومن المعروف أيضاً أن عدد الرجال والشبان والأولاد فيهما أعلى من عدد النساء والصبايا والبنات. إذ تفتقر الصين إلى نحو 80 مليون أنثى، والهند زهاء 100 مليون.
فلماذا ذلك التفاوت؟ عموماً، يكون العدد متكافئاً، أو بفارق طفيف يُرجّح عددياً كفة أحد الجنسين، «الخشن» و«الناعم».
في الواقع، النتيجة مماثلة والأسباب متباينة لكل من البلدين. ففي الصين، اعتُمد قانون الطفل الواحد لكل أسرة في عام 1979، تحت طائلة التعرض للإجهاض أو العقر قسرياً وحتى السجن. استهدف القانون درء الفيضان السكاني في بلد طاولت نفوسه المليار آنذاك. واستثنيت بعض العائلات الريفية، التي سمح لها بإنجاب طفلين اثنين.
وفي عام 2015، عُدّل القانون لكي يجيز إنجاب طفلين للجميع. لكنّ نتائجه لا تزال قائمة لناحية رجحان كفة الذكور عددياً. فمعظم الأسر الكادحة كانت تفكر: «بما أن القانون يجيز طفلاً واحداً، فليكن ولداً لكي يساعدنا عندما يكبر». حتى الريفيون، المتاح لهم طفلان، تبنوا أفكاراً مشابهة: «فليكونا ذكرين لأن عمل الحقول منهك ولا يوائم الإناث». عليه، لعقود، لجأت عشرات ملايين الأسر الصينية إلى «الإجهاض الانتقائي» لاستبعاد الأجنة المؤنثة. والبقية تعرفونها.
أما في الهند، فيعود التفاوت العددي إلى تقاليد متأصلة، تنظر إلى المرأة منذ مولدها نظرة دونية، تبرر وأدها حتى قبل ولادتها. فالديانة الهندوسية تتبنى نظاماً ذكورياً لا مكان فيه للأنثى، التي تعدّ عالة وعبئاً مادياً. ولا يُسمح سوى للأبناء بالإرث وحمل اسم الأب وتأدية طقوس حرقه بعد موته. لذا، تتعرض الكنة المبتلاة بولادة بنت أو أكثر لاضطهاد زوجها وأسرته، وربما الضرب والاستعباد والسخرة، وأحياناً القتل. وهو ظلم يزيد في جَوره وعبثه جهلهم حقيقة أن ما يحدد جنس الجنين هو ظهر الأب وليس بطن الأم.
أدى الوأد والإجهاض «الوأدي» إلى انخفاض الإناث بنسب متباينة، أسوأها في شانديغار ومُومباي (بومباي سابقاً): 77 «فردة» لكل 100 «فرد». فهنا أيضاً، منذ إدخال الفحوص بالصور الصوتية وتحليل السَّلى في منتصف سبعينات القرن الماضي، أفضى الإجهاض الانتقائي إلى التخلخل العددي. وإذ انصب الوأد الجاهلي على قتل الطفلة بعد مولدها، فوأد آخر زمان، فضلاً عن تلك الجريمة، التي لا تزال تُرتكب أحياناً في بعض أرياف الهند النائية، يستعين أيضاً بالتقنيات الحديثة: حال معرفة جنس الجنين، تتقبل أمه إجهاضه إن كان مؤنثاً، مرغمة مكرهة.