جلسَت تُلملم جسدها بيديها وكأنها تحتضن نفسها وعيناها جاحظتان، وتتنفس بطريقة سريعة وكأنها قطعت أميالاً جَرْياً على قدميها، أعطتها أختها كأساً من الماء لتشرب وتهدأ، ولكنها رفضت فهي منشغلة بمشاعر الرعب بداخلها. إنه الخوف يأتي بأشكال مختلفة وبمواقف متعددة، لا أريد الحديث هنا عن الخوف المرَضي والمرتبط بأنواع مختلفة من القلق، ولكن سأتحدث عن الخوف الذي يحتاج فقط إلى بعض الخطوات التي تُسهم في التقليل منه، ذاك الذي يسهم في تعزيز الشجاعة والقدرة على المواجهة حتى لا يتضخم.

مخاوف

قد يعاني البعض سلسلة المخاوف الصغيرة، ولكنها للأسف مستمرة، حيث يمكنها السيطرة على الشخص وقد تمنعه من القيام بالمهام اليومية، كترك مكان العمل مثلاً وانعزال الآخرين، وذلك لعدم قدرته على المواجهة والتحدي، لذا يفضّل الانسحاب، وحتى لا يدخُل دائرة القلق والرّهاب، عليه أن يتبع بضع خطوات للوصول إلى نقطة التخلص من تلك المخاوف، وعادةً يتساءل من يشعر بالخوف عن الطرق التي يستطيع من خلالها التحلي بالشجاعة والتغلب على تلك المخاوف.
قبل سنوات فقدت (ع) الصبر فجأةً، وعندما كانت في حالة من الهلع الناتجة عن مخاوفها الخاصة، قررت أن تتعلم كيف يمكنها أن تكون شجاعة، طلبت المساعدة مُعترفةً بمشكلة الخوف التي أصبحت تعوق حياتها، وتريد أن تتعلم كيفية التغلب على تلك المشاعر والتحلي بالشجاعة، ونجحت بالإرادة والرغبة الداخلية للتغيير. ومن الطرق التي تعلمتها، التخلي عن فكرة أن الشجاعة تدور حول الخوف، فالذين يقومون بأشياء تُبيّن شجاعتهم وتُبْهر الآخرين وتُظهرهم متميزين، كان بسبب أنهم لا يفكرون في تجنب الخوف بل يركزون على ما يريدون إثباته، لأنه لمجرد أن تفكر في الخوف وتحاول تجنّبه، فهذا يجعله يسيطر على عقلك وستفشل.

خطوات

في الإمكان التخلي عن الخوف أولاً عن طريق الاعتراف بالمشكلة، ثم العمل على حَلّها لتجاوزها في نهاية الأمر، من خلال:
• الاعتماد على الأهل والأصدقاء ومن تحب، فوجودهم يعزز لديك الثقة والقدرة على المواجهة والشجاعة، استمد القوة منهم وبادلهم قوتك.
• التدريب على ممارسة الشجاعة، فهي في الأساس فطرية وموجودة داخلنا، عليك فقط أن تتعلمها كأي سلوك مكتسَب، تَعلّمها وستكون جزءاً من سلوكياتك، والأهم الاستمرارية.
• من أفضل الطرق للتخلص من مشاعر الخوف، التنفس بعُمق والتركيز، والسبب هو تعزيز كمية الأكسجين الذي يساعد على الاسترخاء وتجديد الخلايا بالمخ والجسد، كما يُبعد التركيز والتفكير بالخوف، ويفاجأ الأشخاص بنتيجة التنفس، وقام علماء مهتمون بالنظرية السلوكية ببعض التجارب التي أثبتت أهمية تقنيات التنفس في التخلص من الخوف والتوتر والقلق، ودربوا الجنود على تلك التقنيات في ساحات الحرب.
• عندما يقولون لك: (تحلَّ بالشجاعة) قد يجعلك ذلك ضعيفاً، لأن ذلك يضعك تحت الضغط النفسي وسيتغلب عليك الخوف، ولكن يمكنك أن (تُمثل وتَدّعي الشجاعة) حتى تشعر بها وسيساعدك ذلك على التخفيف من شعور الخوف وتجاوز الشعور بالإحباط.
• علينا أن نؤمن بأن الخوف طبيعي وفطري وخُلق داخلنا لتوَخّي الحذر، ولبذل مجهود أكبر، وللوقاية من الأخطار، ولكن ألا يزيد على الحد الذي يؤرقنا ويعوق راحتنا النفسية. ولا شك في أن لـ«كلّ داء دواء»، ولكن بشرط الاعتراف بالمشكلة ومواجهتها أولاً بأول، إذاً لنطمئن ولنواجه الخوف.

استشارة

• عمري 24 عاماً، البنت الثانية في أسرتي، منذ أشهر ابتعدتُ عن أصدقائي ومعارفي. وفي البيت أفضّل البقاء في غرفتي معظم الأوقات. أشعر بالخوف على كل أهلي وأتمنّى ألا يخرجوا من البيت، فهناك أفكار كثيرة وكأنّ هناك من يضع تلك الأفكار في رأسي ولا أستطيع السيطرة عليه. أخذتني أمي إلى الطبيب وصرف لي بعض الأدوية، ولكن الأفكار لا تزال مستمرة، وتركت الدواء. ماذا أفعل؟
- لا أدري إذا كنتِ قد زرتِ طبيباً نفسياً أم لا؟ لم توضحي، فإذا كان طبيباً نفسياً يجب أن تستمري في الدواء حتى تنتهي الأعراض، فالدواء يحتاج إلى وقت حتى تري مفعوله، ويجب أن تخبري الطبيب إذا كانت هناك أعراض جانبية، أما عن التشخيص، فالأعراض التي ذكرتها غير كافية، وهنا لا أستطيع أن أحدد المشكلة. لذا أرجو الحرص على مراجعة الطبيب النفسي في أسرع وقت.