لا زلت أذكر خطواتي البسيطة في البدايات، عندما كنت طالبة في الكلية قبل دخولي سوق العمل، وكذلك السنوات الأولى من الحياة المهنية، ففيها لحظات ساهمت بشكل كبير في بناء شخصيتي المهنية وصقل تفاصيلها. كنت أحدّث نفسي منذ أيام، متسائلة.. هل قدراتي كقائد ومتحدّثة في المناسبات الوطنية والعالمية، تشكّلت كثمرة لتربية أهلي وحرصهم على أن نعرف أنا وأشقائي وشقيقاتي معنى المسؤولية في مختلف مناحي الحياة منذ صغرنا والمؤهلات والخبرات العملية؟ أم هي أيضاً نتيجة لدعمٍ وإيمان بقدراتي من مُدراء وزملاء التقيتهم وعملت معهم على مدار مسيرتي المهنية؟.
برأيي ما أنا عليه اليوم من ملامح وقدرات قيادية، هو مزيج من كل ذلك وأكثر! ولكن من أهم العناصر التي شكّلت فارقاً لدي، وأؤمن أنها ستحدث فرقاً في حياة أي شاب أو فتاة، هو مدى إيمان الشخص بنفسه وبقدراته من جهة، والأهم وجود قائدٍ محفّز يرى فيك ما قد تكون لم تُدركه أنت عن نفسك في مرحلة ما من مسيرتك. فما نحتاجه اليوم لبناء قادة استثنائيين، ليس فقط برامج مبتكرة على المستوى الأكاديمي والعملي، ولكن إنسان قائد ذو رؤية حريص على التنقيب عن الجواهر الإنسانية في مؤسسته عبر تفويض الفرص.
نسمع كثيراً عن سياسة الباب المفتوح وتفويض الصلاحيات، ولكن هل نُفكّر بتفويض الفرص؟ أتحدّث هنا عن قدرة قادة المؤسسات التعرف إلى أعضاء الفريق ذوي القدرات المختلفة والمميزة على الرغم من صِغَر سنهم، ومنحهم فرصة تمثيل المؤسسة أو الدائرة الحكومية بغض النظر عن درجتهم الوظيفية، على عكس الدارج والمتعارف عليه أن التفويض لحضور المناسبات المحلية والعالمية والحديث فيها يكون لأعضاء الفريق من الدرجات الوظيفية المتقدمة أو من لديهم سنوات طويلة من الخبرة الكافية، وهو بنظري خطأ قيادي شائع يقع فيه كثيرون ظناً منهم أن هؤلاء الأشخاص هم الأقدر على تمثيل الجهة وإيصال رسائلها وبناء سمعتها.
خارج قاعات الاجتماعات الرئيسية وبين أعضاء الفريق المنهمكين في العمل، يوجد نواة لقادة مستقبليين قد يفوقون أي نماذج تُخرجها أعرق الجامعات وكليات القيادة أو تفرزها سنوات الخبرة. ما تحتاجه المؤسسات اليوم هو نظرة ثاقبة في بنية فريق العمل والالتفات للقدرات الخاصة التي يتمتع بها بعض أعضاء الفريق، والانتقال من تقييم الأشخاص بناءً على الوصف الوظيفي إلى التقييم بناءً على الأثر الممتد للقدرات وما يمكن للأشخاص تقديمه لمستقبل المؤسسة.
أنا أسميه تفويض الفرص، وأبسط أشكال ذلك هو أن نجعل أعضاء فريقنا ينوبون عنّا في فعاليات كبرى ليتحدثوا عن مؤسستنا والمشاريع التي يقودونها. فذلك يُشكّل شهادة تقدير للشخص الذي آمنا بقدراته من جهة، وكذلك إلهام وتحفيز لزملائه من جهة أخرى. فمن سينوب عنكم في مؤتمركم أو قمة الخبراء المقبلين؟