عيونها تغزل فرحاً، ووجهها يشع نوراً، وكلماتها منتقاة، مدروسة، تُصيب ولا تقتل، مسالمة تبدو، لكن حين تتحدث عن فنها تصبح مثل «اللبؤة» التي تدافع عن أشبالها، كيف لا وهي تتنفس فناً قبل الهواء كما تصف نفسها. سمية بعلبكي، تتحدث هنا عن الغناء والمرأة وأحدث أعمالها.

• صدرت أغنيتك الأخيرة باللهجة المصرية «وصفولي عيونك»، وستتبعها سلسلة أغنيات جديدة. فهل نتوقع «ألبوماً» جديداً مُذيّلاً باسمك؟
لست مع إصدار الألبوم الجاهز، بل مع سياسة إنزال أغنية كل فترة لتأخذ حقها، وكنت أنوي إصدار أغنية أخرى للشاعر نزار قباني من ألحان إحسان المنذر قبل «وصفولي عيونك». جهزناها وبقي التسجيل والتوزيع، لكننا عدنا وارتأينا إصدار «وصفولي عيونك»، التي تحكي عن المرأة الثائرة التي تتحدى الآخر، سواء أكان الزوج أم الحبيب أم الأخ. هذه الأغنية فيها حب، لكن فيها تمرد على الواقع الذي تعيشه المرأة. وتقول إحدى جُملها: «يعني فرحت من بعد ما قلبي جرحت».

امرأة شرقية

• تتكلمين بحماسة عن المرأة الثائرة المتمردة؟
أغلب الأغنيات التي قدمتها رومانسية، وقصيدة نزار قباني «امرأة شرقية» فعكس هذه الأغنية تماماً؛ هي تحكي عن المرأة الخاضعة للحبيب، لكنه خضوع المحب والعاشق، خصوصاً حين تقول له: «أضناني البرد فاغمرني داخل قبضتك السحرية». ثمة من علّق بأن في هذه الأغنية كثيراً من الخضوع، فأجبت: ردي سيأتيكم في أغنية «يعني فرحت»، التي تقول فيها الحبيبة لحبيبها: «حطيتك تاج على راسي، ومثل ما رفعتك لفوق بقدر ردك لتحت».
 
• هل أنت قوية لهذه الدرجة؟
(تضحك) طبعاً قوية. وحسب كل النظريات، يُتوقع أن تأخذ هذه الأغنية رواجاً وصدى عند السيدات العربيات.

ثقافة واسعة

• تعزفين، تلحنين، تغنين وتسهمين في الفكرة والنص. هل يعزز وجود المطرب الشامل من نجاح العمل؟
أؤيد أن يؤدي كل إنسان عمل مستقل، لكني أحبذ شمولية المعرفة لا التخصص، أعزف العود، درست الموسيقى، أملك ثقافة واسعة، وأسعى دائماً إلى تنمية مهاراتي العامة المتنوعة. أحب القراءة، أتنشق الشعر، كل هذا من أجل إغناء شخصيتي كإنسانه وفنانة، لكن إذا سألتني: من أنت؟ أقول لك بما لا لبس فيه: أنا مطربة.

• غنيت بلغات ولهجات عدة. حدثينا عن غنائك باللغتين الكورية واليابانية؟
كثيرون ظنوا حين أديت بهاتين اللغتين أنني أفقه الكلام فيهما، لكنني حفظت غيباً كلمات يابانية وكورية، وقدمتهما في أغنيتين كتحية في مهرجانين شاركت فيهما في الدولتين. أملك أذناً دقيقة ولديّ الجرأة لأقدم أغنيات بكل اللغات واللهجات.

«الميكروفون الذهبي»

• أول ظهور لك كان في «مهرجان قرطاج» وفزت يومها بـ«الميكروفون الذهبي» في المهرجان. ماذا تتذكرين من تلك الليلة؟
حصل هذا عام 1994، كان أول مهرجان أشارك فيه باسم الأغنية العربية، كنا هواة وأتذكر من شاركوني يومها في المنافسة على الجائزة الذهبية، أنغام، صابر الرباعي، وأمل عرفة التي ربحت يومها الجائزة الثانية، يا لها من ليلة. حينها أيقنت منذ تلك اللحظة أن الفنان الحقيقي لا يخسر حتى لو لم يفز بجائزة ذهبية أو فضية، ثمة أسماء كبيرة كانت بيننا حجزت لنفسها منذ تلك اللحظة أمكنة متقدمة في عالم الغناء.

• تثقين بوجود حظ في الحياة؟
الحظ يسهم، لكن القدر هو الذي يرسم العمر والمصير، وفي اعتقادي يمكننا التدخل فيه. الحظ لعب دوراً في حياتي، لكنه لم يشكل كل حياتي.

• هل وقفت مجدداً على أدراج «قرطاج» بعد فوزك بالجائزة الذهبية؟
لا، لم أرجع إلى هناك، لكن الأمر خارج على إرادتي. ربما أتحمل بعض المسؤولية في ذلك لأني لم أحاول كفاية، ولم يحصل هذا معي وحدي بل مع فنانين آخرين كبار، لأن المهرجانات كانت حكراً على جهات منتجة معينة. الآن تغيرت الأمور مع انتشار «السوشيال ميديا»، التي لم تعد تسمح لأي جهة بالإقفال على جهة أخرى. لذا أصبح في إمكان أي كان إنجاز أغنية وإيصالها إلى آخر الكرة الأرضية بكبسة زر.

• هل تملكين قناة «يوتيوب»؟
أعمل منذ مدة على تعزيز منصاتي على «السوشيال ميديا» وعلى إنشاء قناة «يوتيوب»، وأعترف بأنني شخصياً لست من هواة «السوشيال ميديا»، لكنني واثقة بدورها، حتى إنني بتّ مقتنعة بأن هذا العالم المسمّى افتراضياً هو في الحقيقة عالم التواصل الحقيقي، لذلك علينا لزاماً اقتحامه من دون أن نتخلى عن حذرنا، ولا عن حبنا للطبيعة التي أعشقها.

• من جمهورك؟
كنت أعتقد أن جمهوري هم «السميعة» من فئات عمرية مخضرمة، لكنني فوجئت في استطلاع جرى على صفحتي، بأن الفئات العمرية التي تتابعني هي بنسبة كبيرة من الشباب بين الثامنة عشرة والخامسة والثلاثين. وجعلني هذا أراجع نفسي وأعيد حساباتي بالنسبة إلى طبيعة أعمالي المقبلة، مع حرصي طبعاً على وجوب تطوير مسيرتي الفنية لتتماشى مع تطلعات الجيل الجديد.

• كلامك هذا يتعارض مع كلام كثيرين يقولون إن شباب اليوم ليسوا «سميعة»، ولا يستهويهم الفن الأصيل؟
يعتاد كثيرون ما يُقدم لهم، فلنقدم للشباب الفن الجيد قبل أن نصنفهم في خانة من يبحثون عن الفنون السطحية.

إطلالة استثنائية

• سبق أن علمت في «الكونسرفتوار الوطني». ترى ما الدرس الأول الذي يفترض أن يعطى للشباب والشابات الذين يهوون الفنون الجميلة؟
أقول لهم، كونوا أنتم. حافظوا على شخصيتكم ولا تتأثروا بالآخرين بشكل عشوائي، وثقوا بأن من ينجح منكم هو من يقدم نفسه بشكل طبيعي وحقيقي ويكون مدركاً لقدراته ويؤمن بنفسه. لا يمكنكم التمثل بأي فنان، نسخة طبق الأصل، والذوبان فيه. صحيح أنني غنيت لأم كلثوم وأسمهان لكنني لم أقلدهما ولم أرْتَدِ عباءة ليست عباءتي. لكل إنسان، سواءً أكان فناناً أم أي شيء آخر، نكهة مستقلة وشكل مختلف واطلالة استثنائية، لذا فإن التأثر بالآخرين بشكل أعمى خطأ وخطيئة.

• ارتكزت على دعامة ثلاثية: أب فنان وزوج فنان وأخ فنان. فهل كانت بداياتك سهلة؟
صحيح أن وجودهم حولي أثر إيجاباً في حياتي، لكنني واجهت مصاعب. فوجود أشخاص في حياتنا يؤمنون بقدراتنا وأحلامنا مهم جداً. ومن الصعب جداً أن يتخبط الإنسان وحيداً في هذه الحياة، لكنني أعترف الآن بأنني تخبطت وحيدة في فترات كثيرة من حياتي، وهذا ذنبي لأني لم أخْتَر الطريق السهل في الفن بل سعيت وراء الفن الذي آمنت به. أثق بأن الفن مسؤولية إنسانية ووطنية واجتماعية، أعلم أنني أملك مقومات، وأقول هذا بتواضع، لكنني أعلم أن لي مسؤولية إنسانية تجاه نفسي أولاً ومجتمعي وناسي وأهلي. الدنيا ليست مُتفلّتة من كل شيء، بل مبنيّة على صخرة إنسانية راسخة.

غناء وطبخ خليجي

تستذكر المطربة سمية بعلبكي مكوثها في مدينة جدة، إذ عاشت هناك لفترة من الزمن، ساعدتها على تقديم ست أغنيات خليجية، تعاونت فيها مع مجموعة من الشعراء والملحنين السعوديين، من خلال «صالون الفن». عن حياتها الشخصية تقول: «بعيداً عن المسرح والميكروفون، أنا انسانة طبيعية جداً، أحب البساطة والأشجار والورود، أزرع وأستمد من هذه التفاصيل فرحي. أيضاً أنا ست بيت شاطرة، أحب الطهو كثيراً، أحضّر الأطباق اللبنانية، وأحب أن أتعرف كثيراً إلى أطباق الشعوب المتنوعة، عشت فترة في الخليج، وبتّ أعرف كيفية تحضير الأطباق الخليجية ذات المذاق الخاص الشهي».