كان الدكتور سهيل إدريس، مؤسس دار الآداب، قد اقترح ترجمة مفردة البيروقراطية عربياً بالديوانية، محيلاً بهذا إلى المصطلح العربي القديم الذي تتضمنه كلمة الديوان منذ زمن عمر بن الخطاب، مروراً بعصور الخلافات الإسلامية مثل ديوان الجند وديوان الرسائل... إلخ، وهي تشير إلى الجهاز المعني بشؤون العمل الحكومي، ويقابلها عصرياً كلمة البيروقراطية، مع أن كلمة البيروقراطية توشمت ثقافياً وعلقها المعنى السالب، بما أن الناس استمرؤوا الشكوى من أنظمة العمل التي تقيدهم، بأنظمة يغالي الموظفون في تطبيقها بصرامة، ويندر فيها الترخص والتخفيف، وتنامت الصور النمطية مع التصور السالب حتى أصبحت الكلمة مسبة، تختصر معاني التذمر وصفات الانغلاق والتعطيل والتجمد الذهني، وكل شخص يوصف بالبيروقراطي، فهي لا تعني أنه موظف عام يؤدي وظيفة عامة ويلتزم بالشرط المؤسساتي، وهذا هو الأصل والمعنى الواقعي لها، ولكن الموصوف بها سيكون في خانة السلب توصيفاً وتقييماً.
وهذا مثال على حالة تحول الكلمات المحايدة في أصلها الدلالي وحقيقتها اللغوية، ثم تدخل للتداول العام وتشتبك مع ما يعلق بها من سلوك سالب في تطبيقها، ومثلها كلمات: استعمار، استيطان، تطبيع، وهي كلها كلمات محايدة عن عمارة الأرض وسكناها وعن تحسين علاقة الناس بالناس، غير أن سياسات إسرائيل مع الأرض والناس جعلت هذه المفردات سلبية وتحرك ذاكرة من الظلم والتسلط والعنف البشري، كما هي صفات السلوك الإسرائيلي، ويتصدر المعنى السلبي على كل الاحتمالات الدلالية الأخرى لهذه الكلمات، يصبغها بوشم يلتصق بها ولا يغادر ذاكرتها، وهذا نوع من سوء المنقلب تقع به بعض الكلمات بسبب سوء سلوك مستخدميها والمتصفين بها.