كثيرون يعتبرون أن حياتهم باتت مرتبطة بمنصات «التواصل الاجتماعي» المختلفة، مثل «تويتر»، «فيسبوك»، «انستجرام»، «يوتيوب» وغيرها، إلا أن هناك أشخاصاً هجروا هذه المواقع لأسباب كثيرة، منها ـ كما يقولون ـ إدراكهم أن الحياة أكثر هدوءاً واستقراراً بعيداً عن هذه المواقع.
وبحسب موقع LifeHack، المعني بدروس التقنية في البرمجة والاختراق والحماية، فإن الأشخاص الذين اختاروا البقاء بعيداً عن تلك المواقع، وتفضيل خوض تجارب أكثر عمقاً في الحياة، تزداد أعدادهم بالمئات كل يوم.رفاهية تنظيم الوقت

تردّ طبيبة الأسنان الدكتورة لينا عبيدات، تدهور العلاقات الإنسانية بين أفراد العائلة الواحدة، وظهور حالات الانغلاق على الذات والانطواء، إلى انشغال الأشخاص في مواقع «التواصل الاجتماعي»، موضحة: «هذه المنصات فرضت نفسها بقوة على الشباب بصورة خاصة، مما جعلهم يعيشون في واقع افتراضي، مبتعدين عن عيش الحياة الحقيقية بشخصياتهم من دون تزييف». وتضيف: «على هذه المواقع يتم إنهاء العلاقات الإنسانية بـ(بلوك)، والتعبير عن الاهتمام بـ(لايك)، وإبداء الحب بـ(بوست)»، مؤكدة أنه في حال عدم وجودها لكانت الحياة حقيقية، لا يختبئ الناس فيها وراء الشاشات.
لا تمتلك عبيدات أي حساب على الشبكات الاجتماعية، لذلك فإنها تجد وقتاً كافياً لممارسة أنشطة كثيرة، وتوضح: «أمتلك رفاهية تقسيم وقتي وتنظيمه، فأمارس الرياضة والقراءة وجميع هواياتي المفضلة، ولديّ أيضاً متسع من الوقت لتطوير نفسي مهنياً، ورسم أهدافي وخططي المستقبلية، بعيداً عن التشتت الذهني والتعب الجسدي الذي يسببه قضاء الساعات خلف شاشات الكمبيوتر أو المحمول».

التخطيط السليم

يرى المحامي الدكتور لؤي يوسف الداوود أن الشبكات الاجتماعية فرضت نفسها على الناس بشكل مبالغ فيه، خاصة أن معظم الناس لا يُجيدون الاعتدال في استخدامها للاستفادة منها، ويضيف: «بالنسبة إليّ ربما لا أستطيع الابتعاد تماماً عنها بحُكم عملي، فالمحتوى المنشور يمثل جَسّاً لنبض المجتمع والشارع ومشكلاته، لكنني أحصر استخدامها في ساعات محددة، وفي العطل القصيرة وأحياناً أهجرها تماماً».
ويتابع: «تتغير حياتي تماماً بعيداً عن «السوشيال ميديا»، فأستيقظ نشيطاً لأنني نمت مبكراً، ولم أضيع وقت العطلة على السهر لتصفّحها، كذلك أفكر في بديل لـ«التواصل الافتراضي» الذي قررت الابتعاد عنه، وأبحث عن أصدقائي على أرض الواقع، وأقوم بإجراء العديد من المكالمات الهاتفية مع زملائي وأصدقائي وأقاربي، وألتقيهم». ويشدّد الداوود على ضرورة الابتعاد كل فترة عن هذه الشبكات، مفسراً: «ستجد الفرصة لتفكر في نفسك وتتأمل الماضي وتُقيّمه، وستخطط لأحلامك المستقبلية بشكل أفضل، وتحدد أهدافك بدقة، بناءً على نجاحاتك وإخفاقاتك».
لا تمتلك المهندسة تالا الرواشدة أي حساب على أيٍّ من الشبكات الاجتماعية، ولا تشعر بأنها منقطعة عن العالم والأحداث كما يتهمها المقربون منها، وتشرح: «مصادر الأخبار الحقيقية والصادقة والمهمة وغير المغرضة، لا يمكن أن تكون في وسائل «التواصل الاجتماعي» فقط، فوكالات الأنباء والمواقع الرسمية للصحف العالمية والعربية والمحلية، توفر المصداقية التي يبحث عنها أي مهتم في الأخبار السياسية والأحداث العالمية، وحتى ما يتعلق بالموضة والصحة والتكنولوجيا وغيرها». وتشير الرواشدة إلى أن ابتعادها عن تلك الشبكات يتيح لها أن تعيش الانفعالات الحقيقية، وتقول: «لديّ الوقت للقاء معارفي والتواصل الإنساني على أرض الواقع، عندما أبتسم، أضحك، أو أتعجّب، يكون ذلك بملامح وجهي، وليس برموز إلكترونية أرسلها ووجهي جامد الملامح، فالعلاقات الإنسانية السويّة هي التي تتفاعل بها مع الآخرين بحواسك كافة، وليس بلغة صماء من خلف الشاشات ووجه جليدي لا يُخبر أي شيء عن صاحبه».

التواصل الشخصي

يؤكد رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة مؤتة، الدكتور حسين محادين، أن المرء عندما يقطع علاقته مع مواقع «التواصل الاجتماعي»، أو يخففها على الأقل، فإنه يبدأ بجني العديد من الفوائد، منها تعزيز الثقة بالنفس، فنظراً إلى الاعتماد شبه الكلي للمرء على مواقع «التواصل الاجتماعي» والأجهزة الإلكترونية للتواصل مع الآخرين، فقد أصبح التواصل وجهاً لوجه من الأمور الصعبة للغاية.