كثُرت برامج الطبخ على القنوات التلفزيونية. و«تكاثرت» أفلام فيديو على الإنترنت تري هذا الشيف أو ذا  شارحاً آخر ابتكاراته الطبخية المسيّلة للّعاب أو«الدموع».

وسواء من خلال الشاشة الصغيرة أو الشبكة الدولية أو صور المجلات أو رؤية العين في مطعم ما، لا بد أننا لاحظنا أن الطباخ يعتمر «طاقية» بيضاء. ليس فحسب، إنما نجد أيضاً أنها عالية، بحيث تظهره أطول من طوله الحقيقي نظراً إلى وجود فراغ بين قمة رأسه وطرف الطاقية العلوي. وأحياناً، يظهر اسم الشيف مطرّزاً على جبهة القبعة، ربما عملاً بمبدأ «المكتوب على الجبين لازم تذوقه العين».
فلماذا اعتمَد الطهاة المَهَرة، من ذوي الهيبة والشهرة، تقليد اعتمار تلك القبعة المتميزة؟ ولماذا باللون الأبيض، الذي «يتسخ» بسرعة، بالأحرى يظهر عليه الوسخ أسرع من غيره؟ ولماذا هي عالية بشكل يُذكر بـ«طرابيش الدراوشة»؟
فيما يخص البياض، اختير تحديداً لكي يُرغم الطاهي على تبديل الطاقية مراراً، وتفادي تغطية الأوساخ بلون «لا يتسخ». وفيما يتعلق بالفراغ الزائد فوق قمة الرأس، فالغاية منه منع التعرق الزائد. ففي المطابخ، وما تضمه من أفران وطباخات، درجة الحرارة مرتفعة عموماً. لذا، يَحْسُن تفادي تساقط قطرات عرق على المأكولات، بعكس ما يحصل في بعض مطاعم بلداننا، حيث يقوم بعض الطهاة بـ«تمليح» الطعام بعرق جبينهم. وطبعاً، الهدف الأهم من لبس الطاقية تفادي تساقط شعر الطاهي، مما يُعدّ فضيحة لا تُغتفر على موائد الملوك و«الأكابر».
أما عن «إرهاصات» عادة لبس الطاقية، فثمة روايات عديدة، تُجْمع كلها على نشوئها في أوروبا. فحتى القرن الـ18، كان الطهاة يعتمرون قبعات مختلفة الشكل واللون. لكن، انبرَى الطاهي الفرنسي أنتونان كاريم Antonin Carême، فـ«أفتى» بأن من الأفضل توحيد ما يُعتمر شكلاً ولوناً. وكاريم هذا كان ذا هيبة ووزن، بحيث لقّب بـ«طاهي الملوك وملك الطهاة»، وكان أول من نال لقب «شيف chef»، ما يعني «رئيس» بالفرنسية، أو boss بالإنجليزية.
وكان كاريم يخدم شارل موريس تاليران، الوزير المؤثر والدبلوماسي الداهية، الذي كلفه نابليون بونابرت باستقبال الرؤوس المتوّجة الأوروبية لغايات التفاوض وعقد المعاهدات. فكانت مائدته عامرة ومتميزة بفضل الشيف البارع كاريم. وفي عام 1821، انتقل هذا الأخير إلى النمسا لخدمة اللورد شارلز ستيوارت، سفير «التاج» الإنجليزي آنذاك. فوجد كاريم أن قبعات الطهاة القطنية هناك رخوة وغير موائمة، بعبارة أخرى تشبه طاقيات «السنافر» المائعة المائلة. وعليه، فرض طاقيته، المبطنة بقصاصات كارتون لكي تظل منتصبة شامخة. لاحقاً، تم الاستغناء عن الكارتون واستبداله بالتنشية. ومن هناك، انطلق تقليد «طاقية الطهاة»، بحسب هذه الرواية، الأكثر شيوعاً لدى المؤرخين عن أصل التقليد.