يشكل الاحتفاء بالفنان الراحل لؤي كيالي، سؤالاً كبيراً حول تجربة هذا الفنان التي لاتقل عن تجربة الفنان العالمي فان كوخ، كونهما رسما حكاية لاتنسى في مسيرتهما الفنية.

لؤي كيالي، ابن مدينة حلب، مدينة الأصالة والتاريخ، مدينة القدود واللون، استطاع في لوحاته أن يصور ناس القاع، وأن يترك مساحة كبيرة للمرأة بحالاتها المختلفة.

هو فنان الواقعية بامتياز، أحد أهم رواد الفن التشكيلي السوري والعربي، شكّل موته صدمة في الأوساط الثقافية، تاركاً وراءه قصة تراجيدية أدخلته عالم الفن من باب الحكاية وما تركه من نتاج فني موجود اليوم في معظم متاحف العالم.

ولأنه تميز بحساسية عالية فقد عاش حالة اكتئاب وعزلة، قبل أن يحترق ويموت. سكن كيالي في الفترة التي اعتكف فيها بسبب اكتئابه في مدينة دمشق في منطقة معلولا، وتأثّر بها ورسم عن أبنيتها الحجرية، وعاش لفترةٍ قصيرةٍ في جزيرة أرواد السورية حيث رسم العديد من اللوحات التي لها علاقةٌ بالبحر والجو الساحل.

تخرّج كيالي من أكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1961 وعاد إلى بلده سوريا، حيث بدأ مسيرته المهنية في بلده كأستاذٍ للفنون الجميلة في جامعة دمشق وكان الفنان فاتح مدرس يعمل هناك كأستاذ في الفنون الجميلة أيضاً. مثل كل من لؤي كيالي والفنان فاتح مدرس بلدهما سوريا في معرض بينالي في مدينة البندقية في إيطاليا، ولفتت لوحاتهما نظر العديد من الفنانين حول العالم .

بيعت العديد من لوحات كيالي كأغلى أعمال في الفن السوري المعاصر، في إحدى معارضه وصل سعر اللوحة إلى 350 ألف وبيع حينها ما يقارب 37 لوحة. كانت تلك المبيعات من أفضل وأعلى المبيعات لأي معرض فني في سوريا.  ويبدو أن ملامح  الحزن الإنساني في التشكيل العربي، قد أخذت في لوحات كيالي عمقاً خاصاً، وتعبيراً مؤثراً ولوناً بهياً لروح المعنى.

مابين ولادته في عام 1934 و موته الفاجع عام 1978، كان هناك نتاج غزير من اللوحات، التي ركز فيها على الوجه سواء لأمرأة أورجل، أو صبي، يتصلَّب مرَّةً ويرق أخرى، فشخصياته التي رسمها هي في  الغالب، رهينة قضاياها الإنسانية، أكثر من ما هي رهينة آلامها وأحزانها. و لم يرسم خطوطاً مقطَّعة أو منكسرة أو منحنية، تشير إلى بريق بصرٍ أو أصابع يدٍ متشنِّجة أو امرأةٍ مسترخية على كرسي أو في حالة استلقاء على الأرض، بل رسم حزن المرأة وصبرها وألقها وحضورها في اللوحة،

وفي 10 سبتمبر من عام 1978 وفي ظل روايات تتناقض بين حادث سببه لفافة تبغ أو انتحار، احترق لؤي كيالي في غرفته في مدينته حلب، ونقل إلى المستشفى فيها ومن ثم إلى دمشق، لكنه ما لبث أن فارق الحياة في 26 ديسمبر عام 1978 إثر مضاعفات حادثة الحريق، وبهذا الموت الفجائعي فقد دخل موسوعة الفن العالمي، كما دخلها قبله فان غوخ الذي قطع إحدى أذنيه وقدمها الى فتاة في البار.