استطاعت المرأة الأردنية أن تثبت كفاءتها في الكثير من المهن التي ظلت حكراً على الرجال زمناً طويلاً، وعلى الرغم من المعيقات التي تتعلق بالمهنة ذاتها، وتلك التي لها علاقة بالقبول الاجتماعي، نجحت النساء في إثبات نجاحهن خلف جميع الأبواب التي طرقنها ودخلنها، وحققن نجاحات في مهن غير مألوفة.

تشريح الجثث

اختارت الدكتورة إسراء الطوالبة مجال الطب الشرعي، فكانت أول طبيبة شرعية أردنية، تشرح الجثث لمعرفة سبب الوفاة، وتتعامل مع جرائم القتل والقتلى لمساعدة الأمن في فك طلاسم القضية، وعليها الوقوف مرتين بحيادية للشهادة، فهي تقدم شهادة أمام الادّعاء العام وشهادة أمام القضاء.
وهكذا رسمت الطوالبة لنفسها طريقاً تتحدى فيه كل الصعوبات، كونها مؤمنة بأن حب العمل والنجاح كفيل بتمهيد تلك الطريق لنجاحاتها. وعن ذلك تقول: «طبيعة عملي كلها قلق وضغط أعصاب هائل، لدرجة تشعرني بأني غير قادرة على مواصلة اليوم، وأمارس جهداً آخر عند عودتي للمنزل، وعليّ الفصل بين زوجي وأبنائي وبين التشريح والعمل المنهك وقصص الاعتداءات الجنسية والضرب والمشاكل الأسرية، وقصص المجتمع بكل تفاصيله الصعبة». وتختتم د.إسراء الطوالبة: «العمل في هذا المجال لا يتحمل أبعاداً شخصية أو عاطفية، واكتسبت مع الخبرة التعامل مع كل جانب في حياتي بموضوعية وقوة وثبات بكل التفاصيل، وتحكيم العقل تجنباً لأي إخفاقات».

فن القيادة البشرية

في عام 2009، في رحلة مكونة من الكابتن طيار كارول الربضي في كابينة القيادة، مع مساعد طيار هديل الخمش إلى جانب أربع مضيفات، اتجهت طائرة الخطوط الملكية الأردنية من عمّان إلى مدينة أثينا اليونانية، لتكون بذلك أول كابتن في الشرق الأوسط يقود طائرة طاقمها بالكامل من النساء. حصلت بعدها ابنة الـ32 عاماً آنذاك، على درجة كابتن طيار.
عن تجربتها تقول: «بدأ هذا الحلم عندما ذهبت في إجازة مع صديقتي وأهلها إلى قبرص، كان لأبي صديق طيار فأوصاه بي، وفي طريق عودتي لعمان، جلست إلى جانبه في غرفة القيادة، ومنذ تلك اللحظة قررت أن أصبح طياراً، وبدأت بعدها القراءة والبحث حول الموضوع، وعن الكيفية التي يمكن أن أحقق بها هذا الحلم، وبالفعل حصلت على شهادة البكالوريوس في علوم الطيران من جامعة فلوريدا، كانت نسبة العرب في الجامعة 25%، ونسبة الطلاب حسب الجنس، طالبة لكل 11 طالباً».
وتضيف: «في البداية اعترض أبي، وكان خائفاً أن يؤثر هذا الاختيار في مستقبلي العائلي، ومع إصراري ومحاولات الإقناع التي ساعدتني فيها أمي، وافق والدي، وخضت التجربة بكل ثقة، وبعد تخرجي عام 1999 عدت إلى الأردن، ونجحت في امتحان قياس المهارة للخطوط الملكية الأردنية مع 23 طياراً آخرين، من أصل 72 تقدموا للامتحان».
عن الصعوبات التي واجهتها تقول الربضي: «المشاكل واجهتني خارج العمل، حيث استخفّت الأغلبية بعملي كامرأة في وظيفة طيار، خاصة أن عمري كان صغيراً، ومجتمعنا يحصر المرأة في وظائف محددة». وتختتم الكابتن طيار كارول الربضي: «لست نادمة على دخول هذا المجال، على الرغم من أنه أخذ مني الوقت وحرمني من الاستقرار والزواج، لكنه منحني الكثير، فتعلمت التحلي بالصبر وفنون القيادة البشرية، إذ على الطيار أن يتعامل مع كامل طاقم الطائرة كفريق الصيانة والمضيفين ومساعدي الطيار، وعرّفني بالكثير من الناس، وزرت العديد من البلدان».

«سائقة تاكسي»

ميسّر أبو الهوى، أقدم «سائقة تاكسي» في الأردن، عندما توفي زوجها عام 1993 بنوبة قلبية، طردها ابن زوجها من المنزل لتبقى بلا مأوى وبلا عمل. ولم تكن تملك أي مؤهلات دراسية تُمكّنها من العمل، فقررت أن تعمل على سيارة «تاكسي»، وعن ذلك تقول: «لجأت للعمل على «تاكسي»، بعد أن حصلت على رخصة «سائق عمومي»، وكنت بذلك أول امرأة تتقدم لها، على الرغم من أن هذه المهنة محصورة بالرجال في الأردن». وتضيف أبو الهوى: «الصعوبات التي واجهتها كثيرة، فمن جهة ينظر الناس إلى مهنة «سائق التاكسي» نظرة دُونيّة، ومن جهة أخرى، أن تمارسها امرأة كان مستهجناً جداً، لكن الأمر كان أسهل بالنسبة إليّ من أن أظل بلا مأوى يسترني». ومع خطورة مهنة قيادة «التاكسي»، كانت ميسر تضطر إلى حمل مسدس لحماية نفسها في النهار، والاستعانة بأحد أقاربها ليجلس في المقعد الخلفي طوال مدة قيادتها، في حال الطلبات على الطرق الخارجية، ليحميها في حال تعرّض لها أحد.

انتقادات اجتماعية

لم تمنع الانتقادات الاجتماعية وصعوبة المهنة، نسرين عكوبة (30 عاماً)، من تحقيق حلمها بأن تكون «سائقة تاكسي»، فكلمة (مستحيل)، التي رددها كثيرون على مسمعيها، منحتها الثقة وزادتها إصراراً على هدفها، لتصبح «سائقة تاكسي» (المميز الوردي) المخصص للسيدات والعائلات. وعن بداية حكايتها تقول: «في إحدى الجلسات العائلية تحديت أخي كان يعمل «سائق تاكسي»، وأخبرته أن لديّ كل المهارات والقُدرات التي من خلالها سأحصل على رخصة القيادة العمومي، وبالفعل تقدمت للامتحان ونجحت، وبعدها قررت أن أصبح سائقة لأحد تكاسي العائلة» وتضيف عكوبة: «على الرغم من أنني حاصلة على شهادة تمريض، لكنني ارتأيت أن تحقيق ما أرغبه أقوى من أي شيء آخر، فلديّ ثلاثة أطفال وزوجي مُتوفى، والمسؤولية عليّ مُضاعَفة، وأستطيع التحكم في دخلي عن طريق زيادة ساعات العمل، كذلك أستطيع أن أكون موجودة مع أبنائي عند حاجتهم إليّ، فوقتي ملْكي، وليس كما في وظيفة التمريض في المستشفيات وورديات الدوام المتغيرة بين الليل والنهار، ورسالتي إلى كل امرأة أن تحقق حلمها مهما كانت نظرة المجتمع، ومهما كانت المعيقات، فتحقيق الذات هو سر السعادة».