ثمة نوبة ذكريات، تنتابنا عند بداية كلّ سنة. تباغتنا عند منعطفات النسيان، فللحنين دورة، حين اكتمالها يطوّقنا الشوق، فننهار اشتياقاً كما انهار قبلنا ملايين العشاق، وفي هذا عزاؤنا.
من الأعراض المعلنة لهزيمتك، أن تقوم بفعل كلما أخذت عهداً على نفسك ألا تفعله. كأن تبحث في وسائل التواصل الاجتماعي، عن أخبار من كان وجوده في حياتك هو الخبر. تهزمك حاجة مفاجئة لسماع صوته، تحوم حول الهاتف كمدمن، تتفقد ذلك الرقم الذي وحده يعنيك. تطلبه.. يدقّ الهاتف ولا أحد يجيب، تندم، تودّ لو كسرت الهاتف، أو قطعت يدك لأنها أهانتك، وأعطتك علماً بأنها ما زالت تتذكر رقمه. تحزن، تقسم بألا تعاود فعلتك، تمحو الرقم مجدداً، تحظر صاحبه، لكنك لا تعرف كيف تمحو وجوده من «القرص الصلب» لذاكرتك، ذاك الذي يكيد لك بتخزين كل ما تود نسيانه!
الذكريات الموجعة هي التي تدير حياتنا، لأن الألم أطول عمراً من السعادة، فالذي يؤلمنا يقيم عميقاً فينا. لذا، بغباء عاطفيّ نسمح لمن دمرنا في الماضي، بأن يواصل التحكّم في حاضرنا ومستقبلنا، ويحوّل حياتنا إلى فصل واحد، يتوقف فيه الزمن عنده.
الحياة سيمفونية الفصول الأربعة، كتلك المعزوفة التي ألفها فيفالدي احتفالاً بتحوّلات الطبيعة. أرادها رمزاً لدورة الحياة، بخريفها وشتائها، وربيعها وصيفها. يكفي أن تتأمّل تسلسل الفصول، لتدرك أنه لا يمكن للطبيعة أن تتخطى فصلاً من فصولها أو تقفز عليه، فكل فصل يهيئها للذي سيليه. فكيف نتوقف عند فصل واحد من العمر، ونريد من أقدارنا أن تتغيّر، بينما نأبى أن نغادر شتاء العواطف؟
في رائعته «أقبل الليل» التي غنتها أم كلثوم، يقول أحمد رامي: «لو عُدتَ لي.. ردّ الزمان إليَّ سالف بهجتي.. ونسيتُ ما لاقيت منه في ليالي وحدتي.. يا هدى الحيران في ليل الضنَى.. أين أنت الآن بل أين أنا».
نريد للزمن أن يعود، عسى من غادروا يعودون. هل قلبنا المتصدّع جاهز لانكسارات إضافية، مقابل مصادفة ما.. وأمنية؟ إنها مقالب الحنين، مما يجعلنا نصدّق خدعة الأمنيات. لا شيء عدا الذكريات يعود، فلنعش الحياة ما دامت اللحظة الحاضرة هي ما نملكه حقاً من الزمن.

***

أيها الحبّ العائد في نهايات السنة
بذريعة الأعياد
ما حاجة الحلم إلى الحقيقة 
جميلان نحن في البعاد
دعني أسرق من عمرك يوماً
من يومك ساعة
من ساعتك دقيقة
من دقيقة على شفتيّ الزمن قبلة
أعبر بها الوقت الهارب بنا
كلٌّ إلى بلاد