تحيلنا كلمة الفراغ إلى معنى اللا عمل واللا جدوى وإلى الوقت الميت في حياتنا، بينما هي مساحة من الوقت تتوافر لنا على مدار اليوم، يمكن أن نصنع منها أشياء مفيدة، ولكن الثقافة السائدة هي أن الإنسان يجب أن يقتل وقت فراغه، وكأنه عدو لا بد من التخلص منه.


والحقيقة هي أننا يجب أن نقوم بما هو مفيد فيما يسمى وقت الفراغ، هناك من يقول لك اقرأ وقت فراغك، ومن الواجب أن تكون للقراءة مساحة في حياتنا وليست ترفاً أو سيفاً قاتلاً نطعن به الفراغ، وهل الفراغ مجرم يتوجب قتله؟


الفراغ كما أراه هو مساحة مسروقة من اليوم، تعتمد على كل إنسان حسب سلوكه، فهناك من يقضي يومه بالتفاهات التي لا جدوى منها، ويعتقد أن ليس لديه وقت فراغ ليقوم بشيء آخر مفيد، ويعتقد البعض أن اللعب بالورق (الشدة، البتة، الجنجفة، الكوتشينة) ويقضي ساعات طوالاً بها، وحين تطلب منه أمراً مهماً كزيارة والديه أو القراءة أو الجلوس مع الأطفال، يجيبك بأن ليس لديه وقع فراغ، فهو مشغول، نعم هو مشغول، ولكن هل هو منشغل بأمر أهم من التواصل مع الأهل أو القراءة أو أي أمر مهم آخر؟


وقت الفراغ هذا بدعة ابتدعها البعض، قد تكون هناك أوقات فراغ كثيرة للمساجين، أو العالقين في المطارات بتأخر طائرات السفر، وهذي فئة معدودة لا يمكن أن نسجل الفراغ لهم إلا ضرورة، أجبروا عليها. أما من لم تكن له تلك الظروف القاهرة، فلا يجب أن يكون له وقع فراغ حين ينظم وقته بالشكل السليم، والتخطيط المسبق على مدار اليوم.


والنتيجة التي يجب أن ندركها، أنه لا يوجد وقت فراغ، إنما هناك وقت لم نجعل له تخطيطاً في مسار اليوم، وهذا الوقت هناك من جعله فرصة لتعلم الموسيقى فأصبح موسيقياً، وبعد فترة أصبح ليس لديه وقت لأنه مشغول بالموسيقى، وهناك من حصنه بالقراءة والكتابة، فلم يعد لديه الوقت ليشغله بما لا ينفعه، وأصبح الكتاب مستحوذاً على بقية يوم العمل.


أعرف الكثيرين ممن نجحوا بالتجارة، ولم يكن لديهم في البداية إلا وقت غير مستخدم، وحين فكر في التجارة شغل بقية وقته بها، فأصبح أكثر انشغالاً من ذي قبل، حتى إنه لم يعد لديه الوقت ليقضيه مع أهله أو أصدقائه، حيث تغيرت خارطة الأصدقاء، وأصبح المشتغلون بالتجارة أصدقاءه، وأصبح المال هاجساً له والتجارة والسفر أخذا ما كان يسمى سابقاً وقت فراغ لا يعرف ماذا يفعل به، ومن نافلة القول أن نذكر بيت أبو العتاهية الذي رأى في الفراغ درباً للمفسدة عند البعض من الشباب:
إن الشبابَ والفراغ والجِده     مفسدةٌ للمرء أي مفـسدة

شعر

إنني أبحثُ في كل فراغٍ

إنني أبحثُ في جيب فراغي

كلما جاء فراغٌ أو تأخرْ

عن بقايا صور الحلمِ المعطرْ

عن بقايا كلمات

ويدي تحرثُ بالشعر مراراً

تعصرُ الحبَّ كأعنابٍ وسكرْ

كي أرى حبك بستاناً مصورْ

أو أرى خاطرةً تنصفُ شوقي

وأرى حبيَ أكثرْ

كلما الوصلُ تعذرْ

وأرى حبكِ أكبرْ