قصة سوفونيسب أو سوفونيسبا، قصة تراجيدية في مملكة نوميديا، في فترة الحروب البونيقية بين قرطاج وروما للاستيلاء على الموانئ والمعابر البحرية. نحن في القرن الثالث قبل الميلاد. في عز الصراع بين تيارين في المملكة النوميدية القديمة. تيار متحالف مع روما، سيدة البحار، يقوده الملك النوميدي ماسينيسا. وتيار وطني متحالف مع قرطاج، يقوده الملك النوميدي سيفاكس، وأصهاره من القرطاجيين. بعد أن استولى الروماني سيبيون على إسبانيا، نقل المعركة إلى عمق قرطاج، بالتعاون مع ماسينيسا. فقد كانت سوفونيسبا التي ولدت في 235 ق.م، الملكة القرطاجية، مخطوبة لماسينيسا الذي كان على حافة الزواج بها، لكن شخصيتها القوية جعلتها توقف هذا الحب، بالخصوص بعد تحالف ماسينيسا مع روما ضد سيفاكس. مالت نحو سيفاكس الذي اختار المقاومة على قبول الأمر الواقع الروماني. كان سيفاكس يعرف أن الآلة الرومانية الغربية قوية ومدمرة. لكنه اختار مواجهتها على الاستسلام لسلطانها. فضل أن يموت في المعركة دفاعاً عن أرضه وماله وعرضه، وعن سوفونيسبا التي أصبحت زوجته. وهو يودعها عند عتبة بيت الزفاف بدا لها شبيها بهكتور وهو يستعد لخوض حرب الشرف الأخيرة. قاوم ببسالة، لكن قوة ماسينيسا، ومن ورائه جيش روما، كانت أكثر تنظيماً وبطشاً. يجرح سيفاكس ويهزم في معركة الهضاب الكبرى، ويُدمر ميناءه الأساسي في سيغا. يحاول أن ينتحر حتى لا يصبح سجيناً لدى ماسينيسا، لكنه لم يفلح، فيُسجن حياً. ويصبح أسيراً لدى سيبيون الروماني. يأمر ماسينيسا باستقدام سوفونيسبا إلى عاصمته سيرتا (قسنطينة اليوم). تُعطر في قصره كما في أصول الأعراس، وتهيأ لتصبح زوجة للمنتصر. يطلب منها ماسينيسا أن تقبل به زوجاً مقابل إنقاذها من موت حتمي. يذكرها بحبهما القديم، ثم يضعها بين خيارين، إما القبول به زوجاً فتضمن حياتها وربما عدم إرسال سيفاكس إلى روما، أو الرفض، فستكون عقوبة الموت نهاية مطافهما، ككل أعداء روما. تطلب منه أن يمنحها فرصة سؤاله وجوابه قبل اتخاذ القرار النهائي، قبل شرب نبيذ الزفاف. تسأله أن يصف لها سيفاكس وهو في المعركة، قبل الهزيمة بقليل، كيف كانت لحظاته الأخيرة وكيف واجه الموت؟ هل طلب العفو منه ومن روما؟ فيصفه ماسينيسا الوفي لأخلاقه العسكرية، كما يوصف أسد جريح في معركة أخيرة، وغير متكافئة، حيث لا خيار سوى الموت البطولي. سألته: هل قال سيفاكس شيئاً عني؟ أجاب: قال جملة واحدة. سأترك لك يا سوفونيسبا شرف موتي دفاعاً عن نوميديا وقرطاج وعن ملكها أسدروبال، والدك. فجأة تبرق عيناها بنور ساحر. يعيد ماسينيسا سؤاله: هل تريدين الزواج مني الآن لإنقاذ بطلك ونفسك؟ يقدم لها كأس النبيذ. يلمع وجهها المرتاح على بلّور الكأس: تذكر هذا جيداً يا سيدي. إذا كان سيفاكس قد مات وهو يحميني ويحمي أرضنا وملكها أسدروبال، من غطرسة الغزاة، يستحق أن أموت وفاء له ولقرطاج العظيمة. أعرف سيفاكس جيدا، وعزة نفسه الكبيرة. فمنذ أن هزم، فهو ميت. فلن أزيد لحياته شيئاً بخيانتي له. بالعكس. ألقاه هناك حيث لا حروب ولا ضغائن ولا شرور. ثم فتحت خاتمها السري لتنزل في كأسها مسحوق السم الذي كان بداخله. ورفعت كأسها وشربت نبيذ الموت، لتنطفئ بعد دقائق معدودات، وتختم بذلك واحدة من أجمل قصص الحب الإنسانية التي ألهمت الشعراء والمسرحيين التراجيديين مثل كورناي وجون ميري وجون مارستون، والموسيقيين مثل أوبرا سوفونيسبا لماريا تيريزا، وأوبرا نيكولو جورنيلي، وأوبرا فينشينزو فيرديريتشي في ق 18. وتلهم الرسامين كروتيليو مانيتي صاحب لوحة سوفونيسب وماسينيسا، وماتيا بريتي صاحب لوحة سوفونيسب وغيرها.