لا مُشاحة في التآمر، ومذ أول يوم لميلاد الكائن البشري وهو في عرضة دائمة للوقوع في أحد ينافسه، وإن عجز غار منه ثم يحسده.
هي قصة آدم مع إبليس حيث رأى إبليس أن المخلوق من نار خير من المخلوق من طين، ولما أعجزه المنطق لجأ للحيلة والمكر، ثم جاء ابنا آدم، هابيل وقابيل، وتحولت المنافسة إلى القتل عابرة حدود الغيرة والحسد، وحين صار للأبناء دول وصارت لهم شركات وصارت لهم أندية رياضية وصارت لهم مخترعات ومؤلفات، تحولت معهم قوانين التنافسية لتمهر في الكيد والحيل، حتى صار الكل يتآمر على الكل، ولهذا فلا معنى أبداً أن نردد أننا محسودون وأن هناك من يتربص بنا ويتآمر علينا وعلى ديننا ووطننا، لأن ترديد ما هو واقعي وما هو طبع بشري متأصل ومستديم.
سوف يتصاعد مع الحس أننا وحدنا الضحايا، وهنا الخطأ الفادح لأن تصوير الذات بأنها ضحية مستديمة يحولها مع الزمن إلى استمراء التضحوية، حتى لتكون خاصية نفسية واجتماعية وفكرية، وستتصبغ بها الذات حتى لتبدو حالة استحواذ في كل صورة من صورها وتبدو وكأنها نشاز ثقافي وتفقد واقعيتها وربما تفقد حيويتها بعد ذلك، بسبب تحسسها من كل رد فعل ومن كل حالة تنافسية، وهنا ستفقد مهاراتها التنافسية، بما أنها ستتصور التنافس وكأنه مضمار للتربص المبيت، وتأتي بهذا الشخصية ناقصة الثقة، كما يتعطل التفكير بأسباب الفوز والظفر، توهماً بأن كل شيء مرسوم أصلاً ومخطط بتآمر مسبق، ونجد هذا في خطاب المنازعات الكروية ونتائج المباريات، كما نجده بين تلامس المصالح في الشركات، وهو بين الدول كما بين الأفراد، والعجيب أن هذا الحس يقوى أكثر عند الطيبين المخلصين.
وفي السياسة فإن أشد من تشيع عندهم نظرية المؤامرة هم القوميون والمتدينون، وذلك لأن إخلاصهم لمبادئهم شديد وعميق لدرجة الاعتقاد، والقطع بأن النصر حليفهم الحتمي، وإذا حدث انكسار فلا بد أنه خارق لطبيعة الضرورات الحتمية، وسيكون مؤامرة. والطريف أن هذه المؤامرة ستجري نسبتها إلى الأعداء المتربصين، وهنا تأتي النكتة الفكرية إذ كيف بك تتصور أن عدوك سيتركك تتفوق عليه؟ وهذه حقيقة متفق عليها.
ولن يكون منطقياً أن تنسب فشلك إلى عدو يريدك تفشل، ولو تنازل العدو عن رغبته في فشلك لصار صديقاً وحليفاً ملائكياً، وأنت نفسك لن توفر رغبات التآمر منك على عدوك، وهذه هي أصول وشروط معاني العداء، ولكن العدو، أيضاً ليس هو من يصنع أخطاءك، وحتماً أخطاؤك هي التي صنعتك، ذاك الصنيع الذي تغفل أنت عنه، ولكن عين عدوك لم تغفل ولهذا يصيدها قبلك، ولكنك لو تصيدت أخطاءك قبل أن يتصيدها غيرك لكان الظفر لك قبل غيرك، والعدو لا يتمكن منك إلا عبر ثغرات يجدها في جدارك، وحتماً أن البحث عن ثغرات العدو هو ممارسة مشتركة بين كل الأطراف، ولو تمكنت أنت من عدوك، فلن تمنحه القبلات ولكنك ستأخذ منه مأخذك، وهذه هي لعبة الحياة البشرية مذ كانت الحياة البشرية.