لولا التدوين، لكان التاريخ متروكاً لذاكرة النسيان، يتناقله البشر شفاهياً، ويضيع في حكايات الرواة، وينقطع في شيخوختهم، وربما يموت أو يصبح تاريخاً آخر، يتخيله الناس كما يحلو لهم، أو كما يحلمون.
الروائية وداد خليفة، قررت أن تؤرخ الفترة بين ثلاثينات وخمسينات الإمارات في القرن الماضي، في عمل روائي ضخم، يصل إلى 711 صفحة، واستدعت أمكنة وأحداثاً حقيقية، وصنعت أبطالاً يسردون الحياة في دبي، حول خورها، وفي برها وديرتها وشندغتها، حيث غاص البحارة لاصطياد اللؤلؤ من قيعان الخليج العربي، وانتشر الإماراتيون على سواحله، وفي الرَّبع الخالي، وصولاً إلى الهند وزنجبار.
وداد خليفة، كانت ضيفة «الملتقى الأدبي» في أبوظبي، الأسبوع الماضي، وهو صالون ثقافي، أسسته وتديره أسماء صديق المطوع، وكان الحديث عن روايتها «زمن السيداف» لافتاً وشغوفاً، لمن يريد أن يعرف كيف كانت الحياة قبل ظهور النفط في الخليج العربي، وكيف كتبت الصعوبة تفاصيلها، لتترك للحضور، وأنا منهم، أكثر من إجابة عن قدرة الناس على التكيف مع بيئاتهم الاجتماعية، وفقاً لمنظومة القيم السائدة، والأحوال المعيشية آنذاك، وكيف يمكن لأي مجتمع أن يستفيد من ماضيه، في بناء حاضره ومستقبله.
 «السيداف»، هو الزمن الصعب، كما تقول خليفة، وهو نبات طبيعي ينبت على السواحل، وكان الناس يمزجونه مع مكونات أخرى، ليكون طعاماً لهم، وهي توثقه بشخصيات، لا يزال بعضها على قيد الحياة، وإن اختلفت الأسماء بين العمل الفني والواقع، لتروي حكاية المكان. فما يسرده الكاتب في رواية، مثل «زمن السيداف»، يعيش أطول مما يكتبه المؤرخ في كتاب؛ لأن الفن لا يفنى.

ضوء

وداد خليفة كتبت روايتها بالصعوبة ذاتها التي كان يعشيها أبطال «زمن السيداف»، استغرقت أكثر من ثلاث سنوات في البحث والرصد والتوثيق للأحداث والظروف المعيشية والتطور الاجتماعي في دبي، لم تتوقف عند ما جمعته من الكتب والوثائق، فلجأت إلى التراث الشفاهي، وما تحفظه الذاكرة الجمعية، وهي بذلك قدمت جهداً، لتؤرخ بالفن الأجزاء الغامضة، أو المنسية من الحكاية.