(كن جزءاً من الحدث).. (شارك في صنع القرار)..إلخ. جميعها عبارات مستهلكة ولا تتعدّى أن تكون مجرد وسيلة جذب ترويجية في أغلب الأحيان. لكن شبكة Netflix فاجأت الجميع وطبقت هذه الشعارات بحذافيرها في فيلمها الجديد Black Mirror: Bandersnatch، إذ تُتيح للمشاهدين المشاركة في نسج خيوط الحبكة وتحديد مسار القصة عن طريق خيارات عدة تظهر أسفل الشاشة أثناء متابعة الفيلم، لتتحدد بقية الأحداث على أساس اختيارات المشاهدين، إلى أن نصل لنهاية واحدة من بين نهايات عدة كان يمكن الوصول إليها لو اتخذنا قرارات مختلفة.دراما من الخيال

Black Mirror في الأساس، مسلسل (دراما/ خيال علمي) بريطاني، وأُنتجت منه أربعة مواسم حتى الآن، وإن كنت سأصفه بكلمة واحدة، فلن أجد أفضل من كلمة: سوداوي. فكل حلقاته قصص مستقلة بذاتها، وتقوم على أفكار غريبة ومثيرة، تتعلق غالباً بالتقنيات والاختراعات العلمية في المستقبل القريب، وتتنبأ بآثارها الخطرة على المجتمع والعلاقات والنفس البشرية، لدرجة أنك قد تبغض الذكاء الاصطناعي وتتوجس من التكنولوجيا، وتتمنى العودة إلى حياة الإنسان البدائي حيث تفرك حجرين ببعضهما لتشعل ناراً.
لكنّ Black Mirror، جاءنا هذه المرة على هيئة فيلم، وتدور أحداثه في عام 1984، حيث يروي قصة الشاب (ستيفان) الذي يعيش مع والده ويعمل على تصميم لعبة فيديو تدعى Bandersnatch، وهي لعبة مغامرات تفاعلية تتضمن احتمالات عدة وتعتمد على القرارات التي يتخذها اللاعب، ومستوحاة من كتاب يحمل الاسم نفسه. يحمل ستيفان فكرته إلى شركة ألعاب مشهورة آملاً أن تتبناها وتطرحها في الأسواق، ومن هنا، لا أستطيع أن أخبركم أكثر، فالقصة ستتفرع وتتشعب مثل الأودية أو الخلايا العصبية، وأنت من ستحدد مسار الأحداث بالاختيار الذي ستضغطه أسفل الشاشة.

اللعبة

اللعبة، ثم الفيلم، ثم نحن. هذه هي الأبعاد الثلاثة التي تشملها قصة Bandersnatch، فشخصية ستيفان تتحكم في مجريات اللعبة، ونحن نتحكم في تحركات ستيفان في الفيلم. الكل يظن أنه المسيطر إلى أن يشعر بالخديعة، وهذا بالضبط ما يدور حوله الفيلم: وهم الإرادة الحرة، وهو ما تلخصه إحدى الشخصيات: (قدرنا مكتوب مسبقاً، وهو خارج عن سيطرتنا، لذا لمَ لا نرتكب جريمة قتل؟ نحن مجرد دمى). وفي أحد مسارات القصة يشعر ستيفان بأن هناك من يراقبه ويتحكم في تصرفاته، فيصرخ في وجه هذه القوة الخفية الغامضة: (أعلم أنك موجود.. أعطني إشارة) فتشعر بأنه يكلمك شخصياً، وتستجيب له بالخيارات التي تظهر لك أسفل الشاشة، وهنا بالذات تملّكتني إثارة عارمة حيث بدوت شخصاً من المستقبل يتلاعب بشخص يعيش في عام 1984.

فيلم مجنون!

فيلم Black Mirror: Bandersnatch برأيي هو أكثر الأفلام جنونًا في 2018، والفضل في ذلك يعود إلى فكرته الجهنمية في التفاعل بين المشاهدين والشخصيات. ذكرني كثيراً بعوالم بول أوستر، ورواية (غرفة واحدة لا تكفي) للكاتب سلطان العميمي، ورواية (حمام الدار) للكاتب سعود السنعوسي، حيث تعتقد الشخصية أنها تمسك بزمام الأمور، دون أن تفطن للعين التي تراقبها والخيط الذي يحركها، وقد يكون العام الذي تجري فيه الأحداث دلالة رمزية للإشارة إلى رواية جورج أورويل الديستوبية 1984، حيث يخضع مواطنو إحدى الدول للمراقبة المستمرة من شاشات الرصد والحزب الحاكم، مما يدفعهم إلى العيش وفق نظام يسلب إرادتهم. كما يدفعك الفيلم إلى طرح الكثير من التساؤلات، ويفتح لك أبواب الخيال، إذ يبدو خليطاً من نظرية العَوْد الأبدي والسفر عبر الزمن والأكوان المتوازية. فيلم Bandersnatch لا ينتهي أبداً ولو وصلت إلى شارة النهاية، فستعود بطريقة أو بأخرى إلى هذه المتاهة الواسعة، إلى أن تشعر في لحظة ما بأنك وسط لعبة عبثية.

تذكرة لي ولكم

توصية لأفلام دراما لطيفة وخفيفة تفتتح بها سنة 2019:

Thank You For Smoking
The Breakfast Club
The Kings Of Summer
Four Weddings And a Funeral
Breakfast at Tiffany’s
Enough Said
The Edge of Seventeen
Little Miss Sunshine
A Walk to Remember
500 Days of Summer