كالعادة يتجمع أفراد الأسرة في نهاية كل أسبوع، صغاراً وكباراً، حيث يزورون جدهم وجدتهم ويقضون معهم يوماً مليئاً بالضحك والحكايات القديمة والحديثة، والنقاشات السياسية والحياتية ويعرجون على التعليم والعمل والأزياء وكل ما يتعلق بالحياة، وأثناء تناول وجبة الغداء اكتشفوا أن إحدى البنات ممتنعة عن تناول أي طبق، فذهبت الجدة بنفسها للتحايُل عليها للجلوس معهم وتناول الطعام، فأبت وتقوقعت بين الوسائد التقليدية المنتشرة على الأرض، وإذا بصوت أمها الحاد يرتفع مطالباً الجدة بالسماح لها بتناول علبة الروب الصغيرة لمحاولة إنزال وزنها، الذي ازداد مؤخراً نتيجة تناولها الوجبات غير الصحية. لم تتحمل الجدة سلوك الأم وأمسكت بيد حفيدتها وأجلستها بالقرب منها، وكأنها تحميها من قسوة والدتها وعنجهيّتها، بل وعدم وعيها كما تقول الجدة بالتصرف السيئ وحرمان ابنتها. صمت الجميع وانشغل كلٌّ منهم عن الآخر بالطعام والشراب بصمت، وبدأت البنت في تناول وجبتها بشراهة، وكان واضحاً الجوع الذي كانت تعانيه لولا إنقاذ جدتها لها.

تغيير

في ساحة الانتظار تجلس مُنهكة على الكرسي الخشبي، تتنفس بصعوبة منتظرة إحدى صديقاتها، وجهها شاحب تخبئه وراء النظارة الشمسية الكبيرة، تصل صديقتها، تُحييها بحرارة، وفجأة تلاحظ ملامح وجهها التي تعبّر عن دهشة، نظرت إلى صديقتها وقالت: ما رأيك؟ ألستُ أجمل؟ تبعثرت الكلمات في فم صديقتها وقالت: أتصدقين أنني لم أعرفك، تغيرتِ كثيراً. لقد قررتُ تغيير أنفي وفتحة عيني الضيقة، ولكنني أشعر بالإرهاق لأنه لم يمضِ سوى يومين فقط.

العنف اللفظي

يتابع المشتركون في برامج «التواصل الاجتماعي» أوقات الطفلة التي لم تبلغ السادسة بعد بشغف، ماذا تأكل؟ ماذا ترتدي؟ كيف ستسرح شعرها؟ وكيف تستمتع بالألوان والموسيقى المنتقاة بعيداً عن الواقع؟ تسعى والدتها إلى الاستفادة من وراء الترويج لبعض المنتجات الخاصة بالأطفال، كالأطعمة والملابس والعطور والألعاب والملابس وحتى المدارس، وبعض المؤسسات المعنية بالأطفال. وفي أحد الأيام طلبت الأخصائية من الأم الحضور للمدرسة، لإيجاد حل يُريح الطالبة، حيث تعاني مؤخراً الانفعال والعصبية، كما أنها بدأت تمارس على زميلاتها «العنف اللفظي».

تأثير

والسؤال: ما مدى اهتمامنا فيما يُبث عبر الإعلام والإنترنت؟ وكيف تؤثر تلك المواد فينا وكأننا مُغيّبون؟ وإذا أردنا أن نحلل تلك البرامج الموجهة إلى الصغار والكبار، سنجد أنهم يركزون على المشاعر وكثيراً ما يلجؤون إلى العاطفة. وللأسف، لا توجد مؤسسات تستطيع ضبط ذلك بالتزام الأخلاقيات العالمية لحماية أطفالنا من هذا العبث. وعلى سبيل المثال، لا توجد هناك مؤسسة تستطيع أن تحمي الطفلة التي تدفعها أمها إلى الشهرة المزيّفة، وفي الأغلب للاستفادة المادية، أو الأم التي ترى ابنتها قبيحة بوزنها الزائد، لذا تقسو عليها وتحرمها من الطعام للوصول إلى الصورة الذهنية التي تتوق للوصول إليها، كما أن الوعي الذاتي لديهم هو افتراض في أن يكونوا جاهزين عاطفياً للتعامل مع هذا الواقع، لذلك يعملون كل ما في وسعهم للوصول إلى المثالية، تلك التي تفرض عليهم من خلال المادة المقدمة عبر تلك البرامج.
الخطورة تتمثل في عدم انتباه الوالدين إلى الآثار السلبية والخطيرة عليهم وعلى أطفالهم، فهم يربطون معنى السعادة بالمظهر، أي الجمال، وهذه هي السعادة الوهمية. لذا، فحُبّ الأطفال وتقبّلهم كما هم وتحت أي ظروف، هو الحماية والسعادة الحقيقية.

استشارة

• ابنتي البالغة من العمر 17 سنة، ذكية وجميلة، لكنها تعتقد أنها قبيحة. قال لي أحد الأخصائيين إنها ليست المراهقة النموذجية التي تعتقد أن لديها شعراً سيئاً، أو بشرة سيئة، بل تشعر بأنها بشعة وكما لو أن حياتها دُمّرت من الطريقة التي تتحدث بها. وتعتقد أنها تحتاج إلى عمليات تجميل، وبالفعل أجريتُ لها عملية تجميل لتعديل شكل أنفها، ولكنها تعتقد أنها في حاجة إلى عمليات أخرى ووالدها يرفض المبدأ. فهل هناك مشكلة حقيقية تحتاج فيها إلى طبيب نفسي؟
- بدايةً، توقفي عن التفكير لإجراء أي عمليات تجميل أخرى، ويُفضل أن تحددي موعداً مع أخصائي نفسي مرخّص، لتشخيص الأعراض، لا أستطيع القول إنها تعاني اضطراب تشوه الجسم (BDD) من خلال وصفك، ولكن الأخصائي سيُحدد بعد المقابلة وإجراء التقييم النفسي لذلك، ففي مثل هذه الحالات قد تكون هناك أسباب متعددة ويفضل تحديدها.