أن تغني بتلك الطريقة، يعني التنقيب في أعماق الروح عن الروح والجوهر. أن تبث في الدنيا غناءً شفافاً لا يشبه إلا نفسه. أن تتسلق شجرة العشق حتى آخر غصن، وتسقي الناس من كؤوس صافية للحب الذي لا تحده حدود ولا تسيّجه حواجز.

ذلك ما تفعله اللبنانية، جاهدة وهبة التي اختارت درباً مغايراً في الغناء، لا يماثل ما في الساحة. هي لا تغني لحبيب أو ضياع حلم أو تتطلع لشيء. هي تغني لذلك العشق الذي سار عليه كبار شعراء التصوف.

ولدت جاهدة في 1969 في بيروت. تعلمت باكراً العزف على العود، ودرست في الجامعة اللبنانية حيث حصلت على إجازة في علم النفس في 2002، وكذلك على ماجستير التمثيل والإخراج من كلية الفنون الجميلة في الجامعة ذاتها.

والتحقت بكونسرفتوار الموسيقى لتطل على عالم فسيح مترامٍ، انتقت فيه الأصعب. وهي إلى جانب الغناء، تكتب الشعر وتلحن، مما جعلها بالفعل تتعمق في الغناء الروحي، وخاصة الصوفي، مغنية لعدد من الشعراء الذين كتبوا قصائد في رحلات الروح الطويلة بحثاً عن الخلاص والانعتاق.

تعاونت جاهدة مع عدد من المخرجين المسرحيين في بلادها، ولعبت أدواراً في مسرحيات عدة، منها: «أيام رباعيات الخيام» و«أنشودة المطر» و«صرخة تانيوس»، كما مثلت في فيلم «رصاصة فارغة»، وغنت في لبنان، كما غنت في أوبرا القاهرة ومهرجان فاس للموسيقى الروحية.

يمكن القول، إن جاهدة تقفت أثر الموشحات الأندلسية بشكل عام، لكنها ركزت على أداء أشعار كل من الحسين بن منصور «الحلاج» وجلال الدين الرومي، وهي مهمة شاقة ومعقدة نظراً لصعوبة تحويل قصائد رمزية عميقة إلى أغانٍ تلبس ثوباً موسيقياً جميلاً.

غير أن جاهدة أفلحت في ذلك، وكوّنت جمهوراً متذوقاً في طول البلدان العربية وعرضها، إنما جمهور خاص، يميل إلى مثل هذه الموسيقى وهذا اللون من الغناء.

وإن وضعت جاهدة بعض ألحانها بنفسها، إلا أنها تعاونت أيضاً مع ملحنين أمثال وديع الصافي وزياد بطرس.

نالت جاهدة الجائزة الأولى للأفلام في الجامعة اللبنانية عن فيلمها رصاصة فارغة، وكذا جائزة مهرجان الرواد والمبدعين العرب.
وهي اليوم تمثل نموذجاً مختلفاً في الغناء العربي، ورغم صعوبة اللون الذي تؤديه إلا أنه يكسب كل صباح جديد جمهوراً جديداً يتوق لهذا الدفق الروحي الخالص.