قد نشعر في أحيانٍ كثيرة بتشوش أو دوار وبعدم القدرة على التوازن، لكن هل هذه الإشارات عادية عرضية يمكن تجاهلها؟ هل أسبابها أننا نمنا بلا عشاء أو فقر دم أو وهن عام؟ وماذا لو تكرر هذا الشعور بعدم التوازن أو الدوار ونحن نقود مركبتنا أو نمشي على طريق عام أو نحمل بين أذرعنا طفلاً؟ ماذا عن الأسباب؟ وماذا عن العلاج؟

يتحكم جهاز التوازن فينا وهو يعتمد بالدرجة الأولى، بنسبة تزيد على 60%، على الأذن الداخلية، وفي حال شعرنا بثقل في الرأس، وبدوار حاد، وبضباب في العينين وتشوش وغثيان وتقيؤ علينا مراجعة الطبيب بحثاً عن السبب.
اختصاصي أمراض وجراحة الأذن والسمع ومدير مركز التوازن في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور مارك باسيم يُتابع يومياً حالات كثيرة من هذا النوع، بعضها يصل إلى قسم الطوارئ في حال يُرثى لها. فماذا في التفاصيل؟ يجيب د.باسيم: هناك جهازا توازن في الرأس، واحد على اليمين وثان على اليسار، وتصل المعلومات إلى الدماغ عبر العينين والعضلات والمفاصل وأجهزة استشعار اللمس في الساقين التي تكون متناسقة مع جهاز التوازن في الدماغ وأي خلل يصيبها تتأتى عنه أعراض الدوخة وتتضمن الشعور بالدوران والسرحان وبعدم القدرة على السيطرة على الأشياء، والشعور بأن الدنيا تهز من حولنا والجدران تتكسر وبعدم القدرة على السيطرة على النفس والتعب الكبير وخطر السقوط أرضاً. ويهم أن تحفظوا اسم النظام الذي يساعد في توازن الأذن ويُعرف بـ«النظام الدهليزي».
الأذن الداخلية إذاً مثل دهليز، مصنوع من أنسجة رخوة وعظام، مليء بالأسرار وأي خلل فيه، أو مسار خاطئ، يؤدي إلى مشاكل وتعثر ووهن واضطراب في التوازن.

حبيبات الكالسيوم

السبب الأساسي يكمن إذاً في وجود مشاكل تصيب الأذن الداخلية. ثمة مصطلح آخر يُستخدم في الدلالة إلى مشاكل الأذن الداخلية وهو «الأذن الوسطى» لكن المقصود بها يكون غالباً الأذن الداخلية. ويشرح د.باسيم: «أسباب هذه الأعراض تكون غالباً خللاً في الرمل أو الكالسيوم أو حبيبات الكريستال التي تسبح في الأذن، أو إصابتها بالتهاب بسبب فيروس ما، أو وجود مشاكل أخرى نُفكر بها كأطباء أحياناً لذا نسعى في كل مرة يأتينا مريض يعاني دواراً شديداً وعدم توازن إلى التأكد من عدم وجود جلطة دماغية أو إقفال شرايين الدماغ خصوصاً عند كبار السن ومن يعانون ارتفاعاً في الكوليسترول».
يبدأ العلاج بالإصغاء جيداً إلى المريض من أجل تكوين فكرة واضحة عن طبيعة الأعراض ونوع الدوار، وما إذا كان هذا قد ترافق مع طنين في الأذن وفقدان تدريجي في السمع. يلي هذا الفحص السريري للأذن والجهاز العصبي، فحوص تشخيصية تساعد على الإجابة عن الأسئلة الأساسية التي تحدد شكل المشكلة. ويمكن تكرار الفحوص نفسها بعد وقت قصير من أخذ العلاج من أجل التأكد من مدى استجابة المريض له. ويُصار أيضاً إلى إخضاع المريض إلى صورة رنين مغناطيسي للتأكد من عدم وجود أورام أو جلطات أو نزيف ما في الأذن.

داء «مينيير»

أسباب اضطراب التوازن عديدة بينها تناول دواء ما، غير ملائم، أدى إلى هذه الحالة. ويكون العلاج باستبدال الدواء بدواء آخر، وقد يكون السبب إصابة الأذن بعدوى أو إصابة ما في الرأس أو أي شيء آخر أثر في الأذن الداخلية والدماغ مثل انخفاض ضغط الدم خصوصاً عند الوقوف بسرعة، أو التهاب المفاصل، أو عدم توازن عضلات العينين. ثمة سبب آخر يُسمى «داء مينيير» يُصيب أيضاً الأذن الداخلية، لكن لا يُعرف حتى اللحظة سببه، وهو كما يأتي يذهب، لكنه قد يدوم سنوات يعاني فيها المريض الدوار الشديد ويضطر إلى دخول المستشفى. وينصح الطبيب عادة في حالات «مينيير» إلى إجراء بعض التغييرات على النظام الغذائي، والابتعاد عن تناول الملح كلياً، والتوقف عن التدخين. حالات مينيير ليست أبداً بسيطة، لكنها تختفي كما ظهرت. لكن إلى حين تختفي يفترض الحرص من خطر الوقوع في حال حصلت فجأة، لكنها، في الغالب، تحدث صباحاً عند الاستيقاظ.

لا للهلع

هناك قنوات في الأذن الداخلية مملوءة بالسوائل، ويوجد داخل كل قناة هيكل يشبه الجيلاتين، وهناك خلايا وشعيرات حسية، وحين يتحرك الرأس يتحرك السائل داخل القنوات نصف الدائرية، وتؤدي هذه الانحناءة أو الحراك إلى خلق إشارة عصبية يتم إرسالها إلى الدماغ لإخباره عن الطريقة التي استدار فيها الرأس. وبين تلك القنوات والقوقعة هيكل على شكل حلزون مملوء بالسائل في الأذن الداخلية وهناك هلام على شكل حبيبات صغيرة وكثيفة من كربونات الكالسيوم وهي تعمل على التحكم في وضع الجسم أثناء الحركة أو الراحة وهي، إلى جانب النظام الحسي العضلي الهيكلي والرؤية، يساعدون على الحفاظ على التركيز البصري، وحين تتعطل هذه الإشارات الصادرة عن أي من هذه الأنظمة الحسية يتأثر إحساس التوازن، وفي حال كان الجسم يعاني مشاكل إضافية في التحكم في المحرك، مثل الضعف أو البطء، فقد يفقد القدرة على التعافي في شكل صحيح وسريع من عدم التوازن.
الأذن الداخلية مدهشة في تكوينها، لكن أي خلل فيها يؤثر في كل تفاصيل الحياة، لذا لا ضرورة للهلع عند الإصابة بنوبة دوار شديد بل مراجعة الطبيب الذي يكون قادراً، في 90%، في جلسة أو جلستين، على إعادة تصويب الأمور. أما في الحالات الأخرى، كما «مينيير»، فيمكن مداراتها ريثما تعود الأمور إلى مجاريها.
لا تصابوا بالهلع، لا تقلقوا، ولا تغضوا الطرف عن حالات دوار تصيبكم فالأمر قد لا يحتاج غالباً إلا إلى إعادة تصويب مسار حبيبات الكالسيوم في الأذن الداخلية وإلى حبة دواء.