توفي محمد علي كلاي في الرابع من يونيو 2016 عن 74 عاماً وشكل الحدث ظاهرة إعلامية بارزة من حيث الصور المبثوثة عن شخصه وحياته، مع استعادة لقطات من ملاكماته تركز على لحظات الحسم وهو يقفز في الهواء ويردي خصمه أرضاً، ذاك الفتى الذي ولد وفي داخله طاقة هائلة من العنف وهو عنف ذاتي فطري كان من الممكن لأي فتى في ظرفه أن يتحول لمجرم يستخدم طاقته لتدمير من حوله، خاصة أن البيئة التي ابتدأ فيها حياته كانت تكتنز بالعنصرية ضد السود، وقد تعرض لها مباشرة وعنها شاعت الحكاية الرامزة التي رواها بنفسه حين ذهب لمقهى وطلب قهوة فرد عليه النادل بأن الزنوج ممنوعون هنا، فرد علي بقوله: لقد طلبت قهوة ولم أطلب زنجياً، وهو هنا يستخدم مهارته الساخرة لمواجهة عنف اللحظة ويحول القصة لحكاية تروى وكأنها نكتة ولكنها رصاصة تواجه العنف العنصري وتضعه أمام المعيار السردي الساخر، وبمثل ذلك فقد وظف عنفه الذاتي ليكون عنصراً في المنافسة والإمتاع، ولهذا عاش مناضلاً من أجل فنه وعضده بمبادئ إنسانية ضد الحرب في فيتنام وواجه المؤسسة بقوة معنوية وفردية هائلة مما أدى بهم إلى أن ينزعوا عنه لقبه وعاقبوه بأنواع العقابات التي بأيديهم، ولكنه لم يخنع وظل حتى انتصرت إرادته الشريفة وانتصر فنه الراقي مرة أخرى واسترد لقبه ومقامه المعنوي والمهني / واحتفل العالم كله بهذا العنف الساطع لأنه تمكن من تحويل عنفه لقيمة تنافسية وإمتاعية، وظل يبهر الشاشات والعيون، حتى صار عنواناً رمزياً للنجاح الفردي والإرادة وتحدي الصعوبات وبمقدار ما يتلقى من لكمات كان يسدد لكماته لكل ما يواجهه سواء كان منافساً رياضياً مثله أم عقبة تصعد في طريقه فلا تجد منه إلا الصلابة والتحدي حتى ينجح، وحينما أصابه المرض تعلم كيف يفسر معنى أن يتحول لجسد مريض واستشعر فيه رسالة من ربه تقول له إنك جسد ضعيف مهما خاف البشر من قوتك، وإن معناك العميق أكبر من جبروت جسدك الذي انكسر، ولكنك أنت لن تنكسر ما دمت تعرف المعاني العميقة. وهكذا انتصر محمد علي كلاي على ضعفه مثلما انتصر على عنفه، وحول كلاً منهما لمعنى إيجابي ورمزي ونموذج يحتذى وصار بهذا اسماً ساطعاً في كل الثقافات والشاشات واللغات، وهو من حمل انتصارين مذهلين يكتبان على جبين الإنسانية، أولهما الانتصار على عنفه الذاتي حيث جعله رياضة تنافسية إمتاعية، وانتصر على ضعفه حين حول مرضه لدرس وعبرة وجعله معنى يتعلم منه حقيقة الذات البشرية في حال عنفوانها وفي حال انكسارها، ولهذا لم ينكسر قط، وهنا حق للعالم أن يحتفل به في كل مناسبة له حتى لحظة موته التي صارت سرديات تقص على الناس عبر الشاشات وتحفز فيهم معاني التحول والانتصار.