المركز الثقافي والمكتبة الوطنية فكرتان لمعتا في المجلس الاستشاري الوطني عام 1971، حرصاً من المجلس على الفن والتراث الإماراتي والتعريف بهما، وإشراك المجتمع المحلي في ثقافة الحوار المفتوح. الفكرتان أصبحتا فكرة جامعة واحدة، اسمها «المجمع الثقافي»، الذي ترسخ وجوده في إطار قانوني، ضمن ثاني قانون صادر في الدولة في العام نفسه. فالمجمع الثقافي صار قلب أبوظبي النابض بكل مظاهر الفن والأدب والمسرح، فهو أرض الكتب وسماء الإبداع، المعروف إقليمياً ودولياً بأنشطته الثقافية المتنوعة، منذ تأسيسه في عام 1981.

رؤية زايد الثقافية

ويأتي المجمع الثقافي تجسيداً لرؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه) عام 1971، بإنشاء مؤسسة ثقافية، تعمل على رعاية التراث والفنون والثقافة المحلية، وتوسيع إطار انتشارها، وتواصلها مع العالم، من باب حرص الراحل الكبير على مشاركة الإمارات في الحوار الثقافي في المجتمع الدولي، وترسيخ مكانتها في كونها ملتقى للثقافات المختلفة، بانفتاح يعزز قيم التسامح.

مخطوطات نادرة

يعد المجمع الثقافي أول مؤسسة مركزية تستضيف الأنشطة الثقافية في الإمارات، بمختلف أقطابها الأدبية والفنية والمسرحية. وقد ضم عند افتتاحه الأول، أول مكتبة وطنية في أبوظبي، وأكبر مكتبة في الدولة، بلغ عدد مقتنياتها المليوني كتاب، تحوي المخطوطات النادرة والمواد المختلفة بين المقروءة والسمعية. كما اشتملت على العديد من الأقسام المتخصصة، مثل مكتبة الطفل ومكتبة الخليج والجزيرة العربية، وغطت مصادرها كل موضوعات المعرفة الإنسانية الأدبية والعلمية. كما ضمت المكتبة ورشاً لتغليف الكتب وترميمها، وعملت داراً للنشر، دعماً للكتاب الإماراتيين والإقليميين.

إلى جانب المكتبة الوطنية، تقف مؤسسة أخرى من مؤسسات المجمع الثقافي، وهي مؤسسة الثقافة والفنون، والتي احتوت على مركز الطفولة والمرسم الحر والمسرح وقاعة المعارض ومركز اللغات وقاعة الفيديو وقاعة السينما (المسرح). اعتنت المؤسسة بأنشطة المجمع الفنية والمسرحية والموسيقية، وكذلك الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية والقصصية، بالإضافة إلى معارض الكتاب، وأبرزها معرض أبوظبي الدولي للكتاب. كما أنتجت المؤسسة أول فيلم قصير لها بعنوان (ما بين الضفتين)، يحكى قصة العبارين في خور دبي ومعاناتهم اليومية، شاركت به في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. ومسرحها هو أول مسرح في المدينة، قدّمت عليه عروض الفنون الكلاسيكية وعروض الأطفال، وغيرها.

عودة الأب لأبنائه

منذ 2009، تم إغلاق أبواب المجمع الثقافي بغرض الصيانة والتجديد لمنطقة الحصن، حتى عام 2018، أحسّ المنتمون إليه من الفنانين والأدباء والمثقفين والزوار بصدمة السفر المفاجئ الطويل لأبيهم الروحي، والحزن على فراقه.
وفي كلمته الخاصة بعودة المجمع الثقافي بعد طول غياب، يقول سيف سعيد غباش، وكيل دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي: «مع عودة المجمع الثقافي كجزء متجدد من منطقة الحصن، سيكون جمهور أبوظبي والإمارات على موعد مع محتوى معرفي وفنيّ جديد يستحضر ذكريات هذا الصرح الوطني، ويلبسها حلّة جديدة تلبي شغف وتطلعات الأجيال الشابة». وإعادةً لذكريات أول معرض للفنون التشكيلية أقيم في المجمع الثقافي عام 1985، فقد بدأ الموسم الافتتاحي للمجمع بمعرض لأعمال فنانين عاصروا المجمع وانطلقوا منه نحو عوالمهم الأوسع، مثل نجاة مكي، وجلال لقمان، ومحمد الأستاذ، وغيرهم ممن رأوا في عودة المجمع عودةً لروحهم الضائعة. المعرض المسمى بـ«الفنانون والمجمع الثقافي: البدايات»، ضمّ بالإضافة إلى أعمال روّاده أعمالاً لجيل الشباب من الفنانين الذين عاشوا أيضاً ولو لسنواتٍ قليلة في هذا الصرح الثقافي.