في زمن بات الهاتف المحمول الذكي بمثابة مكتب متنقل، يُسهم في تسهيل الأعمال، ويختصر الوقت، ويؤمّن ما يلزم لمستخدمه ليُنجز أموره وشؤونه اليومية، نجد أن فئة كبيرة من الناس يحنّون إلى هواتف الماضي الخالية من كل المواصفات الذكية التي يمكن أن توصلهم بالعالم، لا لكونهم مُناهضين للتكنولوجيا وأربابها، بل لسعي النفس إلى البحث عن مَلاذ بعيد عن الإزعاج، والاستمتاع بالحياة بهدوء، بعيداً عن شغب عالم الهواتف الذكية وضجيجها. «زهرة الخليج» استطلعت آراء بعض المتخصصين حول الموضوع.

من دونه أفضل

يقول المهندس المدني وائل جميل، إنه سئم وجوده على اتصال دائم بكل شيء يدور في حياته، من عمل أو مسؤوليات اجتماعية، مُعقّباً: «بتّ أتمنى أن أحصل على خلوَة بيني وبين نفسي لأنفصل بها عن العالم قليلاً. حاولت مؤخراً استخدام هاتفي القديم الذي أحتفظ به منذ أكثر من 15 عاماً، ولكن بطاريته لا تعمل، لكني أنوي أخذ إجازة الشهر المقبل، ولن أستخدم هاتفي الذكي، بل أسعى إلى الحصول على بطارية لهاتفي القديم وإذا لم أفلح، فسأشتري محمولاً من الفئة القديمة من السوق». ويختتم وائل جميل بالقول: «لن أذهب في إجازتي إلا مع هاتف بدائي، يصلح لأتصل منه بأمي وأطمئن عليها. لا أريد هاتفاً ذكياً، لأنجز أعمالاً مكتبية أو مُراسلات أو ما شابهها، فأنا نسيت متى استمتعت بالإجازة آخر مرة».

المستهلك يقرر

لم يستغرب طارق زكي، مدير مبيعات إحدى شركات التكنولوجيا المصنِّعة للهواتف الذكية في الشرق الأوسط وأفريقيا، موضوع الحنين إلى الهواتف القديمة غير الذكية، وبادر بالقول: «نقدم في شركتنا الهواتف الذكية والمتطورة وتلك العادية التي لا إمكانية لشبكها مع الإنترنت، ويعود الخيار بين نوعي الهواتف للمستهلك نفسه». ويلفت زكي: «صحيح هناك فئة تحنّ إلى الهواتف القديمة الخالية من المواصفات، وتستخدمها لأسباب وحدها تعرفها، ولكنني متأكد أنها في الوقت عينه تمتلك هواتف ذكية. وبات من الشائع سفر كبار مديري الشركات بهواتف عادية، يستخدمونها لإجراء المحادثات الهاتفية لا أكثر». ويضيف: «أنا أيضاً أملك هاتفاً ذكياً لإنجاز مهمات العمل، وآخر لا مواصفات فيه، أستخدمه كهاتف شخصي في أوقات محددة أختارها». ويختتم طارق زكي قائلاً: «نعيش في عصر يحمل فيه الفرد ثلاثة أو أربعة هواتف محمولة، منها الذكي أو غير ذلك، وهذا يعود في رأيي إلى حرية شخصية للفرد، لأنه وحده يقرر أياً منها يستخدم ولأي أغراض».

الوسيلة الأولى

بدوره، يشير كريستوف ورسي، مدير مبيعات إحدى شركات التكنولوجيا المصنّعة للهواتف الذكية في الشرق الأوسط، إلى أن الناس يطالبون بمزيد من المزايا في المحمول الذكي، مُضيفاً: «لكن هذا لا يعني أن ننكر وجود سوق لا بأس بها للهواتف غير الذكية، لذا نعمل في شركتنا على متابعة إصدارات مثل هذه الهواتف بما يُرضي زبائننا، إنْ من ناحية الأسعار المناسبة أو النوعية الجيدة والبطاريات الممتازة». ويتابع ورسي: «لكن من خلال خبرتي، أعرف أن الهواتف الذكية باتت في يومنا الحالي، الوسيلة الأولى التي يسعى إليها الناس للحصول على المعلومات والبيانات وتطلعاتهم المستقبلية.. فهم ينظرون إليه وكأنه «حاسوب»، لا بل يستخدمونه على هذا الأساس لأنه يسهّل أعمالهم ومصالحهم». ويختتم كريستوف ورسي قائلاً: «لا يمكن لفئة كبيرة من الناس الاستغناء عن الهواتف الذكية. هو أمر نعيه كشركة مصنعة لمثل هذه الهواتف، ونصبّ جهودنا لتقديم أهم وأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا في هذا المجال، نُزولاً عند رغبة المستهلكين الذين يتوقعون مواصفات متطورة في هواتفهم عاماً بعد عام».

أقل الأضرار

يُشير أستاذ علم النفس الاجتماعي، الدكتور عبد العزيز الحمادي، إلى مسألة الحنين للهواتف القديمة من قبل البعض، لكونهم يعون خطورة الهواتف المحمولة الذكية على صعيد الصحة والحياة الاجتماعية، في حين أن المحمول القديم يؤدي عمله في موضوع التواصل مع الآخرين بأقل الأضرار. ويضيف: «تنتشر موضة التصوير بالهواتف الذكية بشكل مُزعج، وبات نشر الأخبار والأسرار من مُسلّمات الناس اليومية، الأمر الذي قضى على خصوصية الفرد وأدخله جوانب ربما يكون غير مهتم بها، وخرج الموضوع عن السيطرة إلى حد المسّ بالعادات والتقاليد والقيم». ويرى الحمادي أن الحنين إلى الهواتف القديمة هروب من الضغوط اليومية التي تترتب على سهولة الوصول إلى كل شيء من خلال «كبسة زر»، ويختتم الحمادي كلامه، قائلاً: «كأنني أرى الشخص في تخلّيه عن الهاتف الحديث، ينفض غبار الضغط النفسي عنه، وجميع الجوانب السلبية المترافقة لاستخداماته الخاطئة، ويستمتع بحياته بهدوء».