الطب الصيني تقليد موغل في القدم. وطبيعي أن ينتشر ذلك الطب «الأصفر» في بلاد العم كونفشيوس، مهده وموطنه. لكن من العجب أنه، في السنوات الأخيرة، بدأ يجتاح بلدان أفريقيا الواقعة إلى جنوب الصحراء الكبرى. فهذه أصبحت أول زبون لعقاقير التطبيب والاستشفاء على الطريقة الصينية التقليدية، بواردات من نحو ملياري دولار سنوياً، ترتفع منذ بضع سنوات بمعدل 10% في العام.


فمثلاً، في مالي وحدها يزاول نحو 16 ألف طبيب صيني مهنتهم في ذلك المجال الغارق في القدم. أكثرهم تعلم البمبرية، لغة مالي الرسمية، بغية تسهيل التواصل مع مراجعيهم من السكان المحليين.
فلماذا يتهافت الأفارقة على ذلك النوع من الطب الآتي من بعيد، وعلى حساب وصفات «سحرتهم» التقليديين؟
ثمة أسباب عدة لتوفيق الطب الصيني في أفريقيا. لكن أولها وأهمها أن العقاقير الصينية أرخص بكثير من الأدوية المنتجة في البلدان الصناعية. وفي أفريقيا، نسبة الفقر، ودون الفقر، أعلى من القارات الأخرى.


ومن اللافت أن علاج الملاريا بات يستأثر بأعلى نسبة من مبيعات الأدوية الصينية في أفريقيا، التي يتوطن فيها الوباء. ففي عام 2015، كانت الباحثة «تو يويو» أول صينية تنال جائزة نوبل في الطب. فما علاقة «تو يويو» بموضوعنا؟ العلاقة أن أبحاثها تناولت نبتة صينية، من فضائلها إنتاج مادة «أرتميسينين»، المضادة للملاريا. وبالاستعانة بتلك الأبحاث، عمدت الصين إلى تصنيع أدوية فاعلة، وقليلة الكلفة، لمكافحة الملاريا. وطبعاً، تظل أفريقيا الزبون الأول لكونها المبتلى الأول بذلك الوباء.
إلى ذلك، هناك زهاء مليون صيني يعملون في أفريقيا في تنفيذ مئات المشاريع المنجزة من شركات صينية. إذ وفقت بكين في مساعيها إلى إيجاد مواطئ أقدام في القارة السوداء. وذلك في إطار «القوة الناعمة»، بحسب تسمية البروفيسور الأميركي جوزيف ناي، كناية عن تغلغل الصين الحثيث اقتصادياً في أفريقيا، مما يغيظ القوى الاستعمارية «التقليدية». ووجود أولئك الصينيين يسهم في تعريف أصحاب الأرض بتقاليدهم، بما فيها الطب.
كما تستضيف الصين سنوياً زهاء 30 ألف طالب دراسات عليا من أفريقيا. وهؤلاء، بعد عودتهم إلى بلدانهم، يروجون بدورهم للطب الصيني القديم وكلفته المتدنية، مما يجعله في متناول أكثر الفئات بؤساً.


لكنّ الصين نفسها تنجب عديمي ذمة يبرعون في تقليد أي شيء، حتى الأدوية. هكذا، ثلث عقاقير الملاريا المتداولة في القارة مزيفة، أغلبها «ميد إن تشاينا»، والباقي «ميد إن إنديا». وبسبب تلك الأدوية المغشوشة، مات أكثر من 122 ألف طفل أفريقي خلال عام 2013 وحده. قد يشكل الطب الصيني بالنسبة إلى أفريقيا نعمة، لكنه يتحول أحياناً إلى نقمة عندما يدخل في دورته «الغش».