مجموعة من أطفال (الفريج) يقرعون على باب المنزل ويفرّون! مشهد سلوكي كان يحدث في أحيائنا سابقاً وأعتقد في أماكن كثيرة حول العالم، ولكنه أسلوب لعب طفولي مشاكس وبريء تلاشى وقد يكون اختفى في أيامنا هذه، ولكنه حضر في ذهني نتيجة تكرار الحديث والشكوى لدى كثيرين من سلوكيات غير مقبولة، أصبحت سمة في العصر الرقمي بنوع آخر من (الفرجان) هو الفريج الرقمي. نعم فكل منصة من منصات التواصل الاجتماعي هي (فريج) له قواعده الخاصة وآدابه، فتويتر فريج، وانستجرام وسناب وغيرهما نسخة من أحياء مدننا وسكّانها نحن، وقد نمضي فيها أكثر مما نمضي في (الفريج) الحقيقي.
أنا مواطنة رقمية منذ أيام دراستي في الكلية، حيث كنت أكتب في المدونات، وقد دخلت (فريج) التواصل الاجتماعي مثل تويتر منذ عام 2007، وعاصرت المراحل المختلفة التي شهدتها قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة، والتغيّر في سلوكيات الأفراد ومستخدمي هذه المنصات على مدار 10 سنوات مضت، وأستطيع القول إن كثيرين أتقنوا استخدامها وتوظيفها، وأصبح لدى الناس توافق غير مكتوب على آداب استخدام المنصات (إتيكيت إن جاز التعبير)، وبالتالي تلاشى كثير من الظواهر السلبية، التي برزت في بدايات ظهور قنوات التواصل الاجتماعي.
ولكن اليوم وبعد كل هذه السنوات من ظهور القنوات الرقمية، لم يعد الكثير من السلوكيات السلبية التي نلمسها مقبولاً، مثل التطفّل وإساءة الأدب بالتعليقات أو الرسائل المباشرة، ومحاولة فرض الرأي على الآخرين وغيرها من قائمة تطول. وانقسم تعامل الناس مع مثل هذه السلوكيات، لثلاث فئات هي المعاملة بالمثل والحجب (البلوك)، أو التجاهل رغم كونه مزعجاً في كثير من الأحيان، أو محاولة وضع آداب للتعامل الرقمي والتذكير بها كلّما سمحت الفرصة، وبالطبع يعلو على كلّ الخيارات السابقة، الأسس التشريعية التي تم وضعها لضبط العلاقات في العالم الرقمي، التي تعتبر الحلّ الأمثل لمن يرتكب سلوكيات توازي في أثرها جريمة في الحياة الواقعية.
لا أريد، عبر سطوري هذه، أن أبحث مطولاً عن حلول إضافية لمواجهة التجاوزات التي ينتقدها مستخدمو قنوات التواصل الاجتماعي، ولكن أن أعود بالذاكرة للأدوات البسيطة التي كانت تحمي بيوتنا في الفريج التقليدي من الإزعاج، وهي باب البيت والعين التي تكشف من في الخارج وآداب الحي والأخلاقيات التي تنظّم العلاقات. قرأت كثيراً وشاهدت مقاطع تثقيفية، يحاول عبرها مؤثرون أن يذكروا بآداب الوجود الرقمي، ولكنني أرى أن إحدى أبرز وسائل راحة البال الرقمية، هي أن نوصد الباب في وجه المتطفلين بتجاهلهم ولا نعطيهم أكبر من أهميتهم، لأننا في فريج رقمي يعيش فيه عدد لا يمكن حصره من الشخصيات، والأهم هو أن نكون انعكاساً لأنفسنا في الواقع، وأن نوظّف منصاتنا لتقديم قيمة إضافية لكل من تروق له زيارتنا في الفريج الرقمي!