جميعنا نقول قبل أن نتذكر أمراً ما، على البال، ونعني بها ما نعني من ذكرى تأتي على البال، وغالباً ما تكون تلك الذكرى جميلة، فالإنسان السوي لا يحب أن يتذكر المنغصات التي مرت به.
وأول ما أتذكر أغنية على البال، حين سمعتها في سوريا في الزبداني، وحولي بائعو الجوز والفستق الحلبي طرياً، والفواكه التي تتفرد بها تلك المنطقة، فتذكرت الإمارات ومن فيها فكتبت قصيدة على البال أنشر مقطعاً منها مرافقاً للمقال.
يأتي على البال الصديق أحمد سلطان الذي كنا نسهر معاً يوم الجمعة على البحر مقابل المدرسة، وكان يتمنى أن يشتعل حريق في المدرسة، ليقال لنا إجازة، لقد كره الدراسة فلم يكملها، وأخذ إجازة طويلة من الإعدادية إلى يومنا هذا.
وتأتي على البال مدينة الإسكندرية، ليس ببحرها وما يحتويه من المتعطشين للهواء أو البائعين المتجولين بشتى أنواع البضائع، تأتي بدفء أحاديث أصدقاء الدراسة، وخوفهم الجميل ليلة الامتحان، وهروبنا للبحر لنبدد مخاوفنا، فمن الغريب أن يخاف المجتهد ولا يهتم الكسول، هي عادة تلازم الطلبة في كل سنوات الدراسة.
على البال تأتي أحاديث أصدقاء التطوع العام، ومقالبهم الجميلة التي لا نحزن منها، والضحك اليومي على من يتم عقابه منا من أحد المدربين، وذلك الإحساس الجمعي بين الشباب من المستويات الدراسية كافة، ومختلف الأعمار، لقد كان نسيجاً وطنياً بامتياز، سطره حب الوطن بأول بادرة لخطر محتمل قد يمر بنا.
دول كثيرة تأتي على البال، وأفراح كثيرة تأتي، وتأتي أول فرقة مسرحية أسسناها في شركة البترول، حين تجمع أصحاب المواهب، الشعر والغناء والتمثيل والموسيقى، وقدمنا عملنا الأول بفرح الصغار على الرغم من أننا كنا كباراً في العمر، أين هم الآن؟ وماذا فعلت بهم الأيام؟
إن قصص الحب الأولى تأتي كثيراً على البال، وأحاديث الطفولة بحاجة إلى مساحات مضاعفة، والدراسة والعمل والأصدقاء، فما الذي يقتحم ذاكرتي هذا المساء، لأفتح كهف الذاكرة وأسترجع منه ما بقي فيه.
وعلى البال من رحلوا من دون استئذان، ومن غادروا وتركوا بعدهم قلوباً تحبهم وذاكرة حافلة بهم، وربما أكثر من يأتي على البال هم الراحلون ممن نحب، من نحمل أسماءهم معنا ذكرى حاضرة، ومن نحمل ملامحهم، ومن نحمل أصواتهم، حتى ليقال إنك هو، أو إنكِ هي، إنهما الأب والأم، أكثر من يأتيان على البال إن غادرا، وفي حالات كثيرة أقل من يأتيان على البال وهما حاضران.

شعر

ألفُ موالٍ بصدري

بعده كان انكساري

وأنا أفتتح الصيفَ

فدعي الشامَ تجيءُ الآن في ثوب الأماني

أعيدُ الرحلةَ الأولى لعمَّانَ

ودعي بيروتَ

على جمرِ انتظاري

تدرينَ ببيروتَ وماذا سرقتْ مني

لا أنا عدتُ الذي كنتُ ولا أنتِ كما أنتِ

وماذا خلفتْ من زبدِ العمرِ

أظنُّ الآن شيئاً بيننا حين انكسرنا

ومن وَهْجِ الأغاني