برغم كل ما تقدِّمه وسائل التواصل الاجتماعي إيجابيًّا، كوسائط بحث ومصادر لحظية للأخبار ومنصات إعلانية ومساحات حرية لإبداء الرأي وعمل الاستبيانات دعمًا لبعض الدراسات، فإن الكثير يتعامل مع تلك الوسائل، إلى جانب التسلية، تعزيزًا لدور ذلك الوحش المقنَّع الذي يسكن في داخله، ذلك الكائن الذي ليس بمستطاعه أن يكون إلا من وراء حُجُب الأسماء المستعارة في فضاء الإنترنت. ليس التنمر وحده مشكلة تلك المنصات الإعلامية الفردية، إذ بمقدور أي شخص أن يتطاول عليك ويحشد الآخرين ضدك وينال منك ومن أهل بيتك وبلدك وجعلك مادة للتندُّر على مدار أيام، بل أن هناك من يسيء لك ويُسمِّم حياتك من دون قصد إلا التسلية وإضحاك الآخرين على سبيل استعراض خِفَّة الدَّم.  لا أفضل ذكر أسماء، ولكنني سوف أشير إلى البعض دعمًا للفكرة ليس إلا، وتقديرًا لأصحابها في ما يشبه اعتذارًا عن ذنبٍ لم أقترفه. لعلَّ الفنان نبيل شعيل أحد أبرز الأسماء التي يتم يتداولها مؤخرًا، وربما هو أمرٌ محمود لو أن هذا الرواج يتعاطى مع نتاج الفنان الإبداعي منذ مطلع الثمانينات وحتى يومنا هذا، عبر مساحة زمنية تمضي نحو الأربعين عامًا في الأغنية العاطفية والوطنية والرياضية، ولكن تنميط دور الفنان وحصره وتداول اسمه بتلك الكثافة لا شأن له بكل ما قدَّمه من جهدٍ ووقت في الإعداد والأسفار والغناء، إنما بكتابة التعليقات على صوره بشكلٍ كاريكاتوري وكأن بوشعيل لم يقدِّم غير تلك الصورة. لا أنكر أنني أبتسم في بعض الأحيان، ولعلَّ شعيل نفسه قد ضحك على بعض الصور، ولكنني لا أستطيع تحمُّل الأمر طيلة الوقت إخلاصًا لفنان تحدَّث بلساني وشاركني مناسباتي عبر غناءٍ أهَّله ليصير إحدى الأيقونات الغنائية طيلة تلك السنوات. لم تسلم الفنانة حياة الفهد أيضًا من سخافة تلك الصور، أن تصير تلك الفنانة بكل عطائها عبر نصف قرن أضحوكة سمجة لهو أمرٌ قميء. كم لها وهي تبذل كل ما في وسعها لتضحكك وتضحك معك، أو تُبكيك وتَبكيك عبر مشاكلك التي تطرحها، لتجيء أنت متجاوزًا كل ذلك، منذ ما قبل فلم «بس يا بحر» وحتى أعمالها الأخيرة، لتختزلها في دور الأضحوكة عبر صورةٍ تسخر من هيئتها الحزينة أو شعرها المهمل لضرورة تأدية دورٍ درامي. فالفنان بعد ذاك العطاء في حاجة إلى كلمة شكرٍ من عامَّة الناس التي عوضًا عن أن تقول «شكرًا أم سوزان» صارت تحرص على إطلاق النكات دون الشعور بتأثيرها في نفسية صاحب الشأن وذويه.      وبعيدًا عن السخرية، لا يمكنني تجاوز ما يتعرض له الكاتب من تنمُّر سافر، ولعلَّ الأستاذ تركي الحمد واحد من أبرز الأسماء التي تتعرض للتنمُّر بصورة بشعة، ورغم أنه لا يولي اهتمامًا لتلك الوحوش المقنَّعة، بل وربما يتخذ من هجومها زادًا للمواصلة والإصرار على تغيير فكرة أو قناعة راسخة، إلا أنني لا أفهم ولا أتفهم ردود الكثير على آرائه. هذا الرجل الذي أثار بي أسئلة عبر إصداراته الأدبية والفكرية، والذي حفَّزني لأن أختلف معه كثيرًا وأتفق معه أحيانًا في ما يذهب إليه، كيف للآخرين أن يقفزوا على ما يطرح من آراء ويلوذوا بالتهديد والوعيد بنار الآخرة ودركها الأسفل والسخرية من سِنِّه والتشكيك بسلامة عقله ممن هُم في سِنِّ أحفادِه، بصورةِ لا تشي إلا بضعف الحجة، عوضًا عن مناقشة الفكرة.   إن لم تكن قادرًا على قتل وحشك المقنَّع، فحاول ترويضه في حدود الأدب والمنطق على أقل تقدير.