ضحّت الكاتبة فاطمة ناعوت بمكانتها كمهندسة معمارية، بعدما أدركت أن الكتابة ستُحيي روحها مئات السنين، فانطلقت من فن العمارة والإبداع الهندسي إلى عالم الأدب، فخطت بقلمها العديد من الكتب، ورسمت بالكلمات القصائد الشعرية. ترى نفسها ريشة في الهواء، وتحلم بعالم جميل لا قتل فيه ولا ظلم، الحلم الذي يدفعها إلى خوض معارك مجتمعية، فتجدها دائماً مغتربة في عالمها، رافضةً الواقع بمعطياته الراهنة. هي مترجمة دؤوبة، تمكّنها من اللغة ومعرفتها بالأدب والشعر سر نجاحها، فتقلص حجم المهدر من النص، وتضخ طاقة إبداعية جديدة في النص المترجم.. التقتها «زهرة الخليج» وسألتها عن أعمالها وأحلامها.

• ما أبرز المحطات والعقبات التي مررت بها؟
كل كتاب أصدرته كان محطة مرت بمنعطفات وعقبات، لكنها العقبات الشيقة الممتعة متعة تسلق الجبال، وكل انعطافة في تجربتي الإبداعية كانت محطة مرت بها عقبات. أصدرت حتى الآن 26 كتاباً، من بينها دواوين شعرية، روايات مترجمة، كتب فكرية، ترجمات في الأنثروبولوجي وأنطولوجيات شعرية عالمية، وفزت بجوائز مهمة في الأدب، كان آخرها «جائزة جبران العالمية» من سيدني الأسترالية. شاركت في أهم مهرجانات العالم الأدبية والفكرية، وحاضرت في العديد من المحافل الدولية والمحلية. أرى نفسي مثل «الطيارة الورق»، التي لا تركن إلى سكون إلا حين تتكسّر عَصَياتها أو تتمزق أوراقها. لهذا، فكل صبح يُشرق على عينيّ ومع كل شمس جديدة تدخل غرفتي، ثمة محطة وثمة علامة وثمة طريق وثمة عقبة، وثمة حلول لتلك العقبة.

شعر بامتياز

• كيف انتقلت المهندسة المعمارية إلى عالم الكتابة الشعرية والترجمة الأدبية؟
أكتب الشعر منذ صباي المبكر، ولم أفكر في النشر إلا متأخراً بسبب العمل الهندسي، الذي يستلب المرء حتى الدقيقة الأخيرة من يومه. وبعدما أنجزت ما صبوت إليه في دنيا العمارة، فررت إلى محبوبي الأول (الأدب)، الذي هجرته بسبب عائلتي الكلاسيكية، التي رأت في ممارسة الهندسة مكانة اجتماعية مرموقة، عكس ما تمنحه لنا حرفة الكتابة من مشاكل، خصوصاً في المجتمع العربي الذي لا يقيم وزناً كبيراً للكتّاب والشعراء، ولا لفكرة الثقافة إجمالاً. في الأخير دفعت فاتورة هذا التحول واخترت ما أريد.

شعور بالغربة

• قلت مرة إن الإنسان لا يبدع إلا لحظة شعوره بالغربة، فهل هناك غربة تشعرين بها تدفعك إلى الإبداع في مجال الشعر؟
كل مُبدعٍ وكل فنان هو بالضرورة كائن مغترب. يبدأ الفن من لحظة شعور الإنسان بالغربة ورفض الواقع بمعطياته الراهنة، وبالطبع لا أعني الغربة المكانيّة عن الوطن، فتلك أبسط أنواع الغربة، لكن الغربة التي أعني هي الغربة الوجودية، الشعور بالاغتراب عن العالم حتى وسط الأهل ووسط الرفقاء وفوق تراب الوطن، أن تشعر بأنك خُلقت في عالم لم تختر آليّاته أو قوانينه، عالم لا يتفق مع حلمك الذي كنت تتمنى أن يكون عليه ذلك العالم. هنا الغربة، وهنا الحزن الحق، ومن هنا تبدأ القصيدة أو اللوحة التشكيلية أو القطعة النحتية.

• قمت بترجمة روايتي «الوصمة البشرية» و«نصف شمس صفراء»، وهما من الروايات العالمية المهمة.. ماذا تمثل لك الترجمة؟
الترجمة لون من الإبداع الموازي، والتحليق الحر في سماوات الآخرين. ولأنني لا أكتب الرواية، فإنني أحياناً أحب أن أقتحم عالم الرواية، ليس بالقراءة وحسب، بل بالقراءة المعمّقة والغزو والاحتلال. فالترجمة الأدبية هي لون من الغزو والاحتلال. لكنه غزو مشروع واحتلال حلال. الترجمة تمثل لي خوضاً ومخاضاً لخلق عمل إبداعي موازٍ للعمل الأصلي، الذي ولد وترعرع في أرض غريبة ويريد أن يسافر على باخرتي إلى أرضي.

الكتابة بالطباشير

• وصف المفكر الراحل محمود أمين العالم كتابك الجديد «الكتابة بالطباشير الملون» بـ(الحفر العميق في رواسخ ثقافتنا المعاصرة)، وأيضاً صدر لك عام 2006 كتاب بعنوان «الكتابة بالطباشير» وكتاب «الرسم بالطباشير». فهل هي ثلاثية تتضمن مفاهيم ومضامين معينة؟ وماذا عن العنوان؟
«الكتابة بالطباشير» عام 2006، و«الكتابة بالطباشير الملون» عام 2018، يحفران في حقل العمارة، مجال دراستي، وعلاقتها ببقية الفنون البصرية والإيقاعية، مثل الموسيقى، التشكيل، النحت، المسرح، الرقص والشعر. بينما «الرسم بالطباشير» هو صور قلميّة عن رموز وشخصيات تركت بصمتها في حياتي. أما تيمة (الطباشير)، فقد فضضتُ سرّه في مقال عنوانه: «أنا لصّة طباشير»، نُشر في جريدة «المصري اليوم».

معايير

عن معايير اختيارها للأعمال الأدبية الأجنبية التي تترجمها، تقول الكاتبة ناعوت: «أترجم الرواية أو القصيدة التي تخترقني بقوة وتحتل أعماقي، لدرجة أني أتمنى أن أكون كاتبتها».

«ملك» الفنون

تقول الكاتبة فاطمة ناعوت عن سبب رفضها تحوّلها من الشعر إلى كتابة الرواية: «إن الشعر باقٍ بقاء الإنسان مثله مثل الموسيقى، العمارة، الغناء، الرقص، التشكيل وكل الفنون الراقية. أنا تخليت عن لقب «مهندسة»، وهو لقب رفيع الشأن في بلادي، من أجل عيون الشعر. ووجدت من الصعب عليّ أن أهجر الشعر من أجل الرواية؟ الشعر عندي هو «تاج» الكلمة و«ملك» الفنون لا أعدل به شيئاً. وما أود أن أقوله في الرواية بوسعي قوله في القصيدة. الشعر لم يخذلني يوماً، حتى أخذله».