وصلتني على الهاتف صورة أخطبوط مرفقة بنكتة نسائية تُعاير الرجال لخيانتهم: «عارف إنو الأخطبوط عندو ثلاثة قلوب لكنو يعيش وفيّ لأخطبوطة واحدة.. وأنتو عندكم قلب واحد فتحتو فندق»!
الرجل الوفيّ «حيوان ذكوري نادر» نتمنّى استنساخه لو استطعنا. غير أنّ العلماء، عوض أن ينشغلوا باستنساخ بعض الذئاب وتوزيعها على نساء الأرض، بدؤوا باستنساخ النعجة دوللي.
أما لماذا الذئاب، فلأن الذئب هو أكثر ذكور الحيوانات وفاءً، عدا الأخطبوط إن صدقت النكتة، أو هكذا شُبّه للعلماء، مقارنة ببقيّة الحيوانات التي مذهبها الخيانة المتبادلة. فحتى الكلب الوفيّ لسيِّده، هو خائن لأُنثاه، أمّا القطة فصيتها يسبقها، فهي لا تختلف عنه في نزواتها الشبَاطيَّة، نسبة إلى شهر شباط / فبراير، فهو شهر تسوّقها الليلي، تشهد على ذلك التشكيلة العجيبة لصغارها.
أما الفئران والأسُود والزواحف والأسماك والفيَلَة، فشعارها، حسب أغنية فيروز «مش فارقة معاي». فهل الوفاء حماقة إنسانية، أم ميزة أخرى يتميّز بها الإنسان عن الحيوان، لتميّزه عنه بالعقل والإيمان والنطق؟
لعلّ آدم يوم نطق، وجد نفسه مجبراً على أن يقول لحواء شيئاً ما، وكانت لغته لم تتشكّل بعد، فقال لها «أحبّك»، وكان يعني «أشتهيك»، وعندما تنبّهت حواء التي جاءت إلى العالم مكتملة الذكاء، إلى خلطه بين الحب والشهوة، نصبت له كمين الزواج، وراحت تطالبه بالإخلاص ليثبت لها حسن نواياه، وتلاحقه بالتحرّيات والأسئلة بعد أن ربطته بمحبس. وهكذا وصلت الإنسانية إلى ما هي عليه من نفاق!
المشكل، كوننا نحتاج أحياناً إلى تصديق بعض الأكاذيب والأوهام الجميلة، حتى لا نكتشف بشاعة حقيقة نظنّ أننا غير معنيّين بها، وأنها لا تحدث إلا للأخريات.
يحضرني قول جدتي معلّقة على مآسي النسوان: «الرجال والزمان.. ما فيهم أمَان». أمّا حماتي فكانت كلما جئتُ بعاملة بيت جديدة، وتركت لها تلقائياً كل خزائني مفتوحة، مطمئنة إلى ما يبدو عليها من صدق وأمانة، نصحتني بالقول: «احتاطي منها إلى أن تتأكدي من أمانتها، تعلّمي أن تسيئي الظن، حتى يثبت لك الناس العكس، بدل أن تمنحيهم فوراً ثقتكِ، ثم تُصدَمي بهم لاحقاً».
طبعاً، ما استفدت من هذه النصيحة. ذلك أنه يصعب على المرء أن يتوقّع من الآخرين ما هو ليس قادراً على الإتيان بمثله.
كذلك الرجال، تقول صديقتي، قد تستيقظ إحدانا يوماً لتجد زوجها العاقل «البيتوتي» قد أفرغ حسابه، وفتح به بيتاً آخر، وأهداه أثناء نومها الهنيء إلى أخرى، وأحياناً أثناء انشغالها الغبيّ بالتحرِّي في قضيّة وهميّة، اخترعتها لفرط هوسها وغيرتها. ذلك أنّ المرأة، حسب ساشا غيتري، تعرف كلّ شيء بحدسها، ولا تخطئ إلا عندما تبدأ في التفكير!
الواقع، أن الزوج الخائن يرسل رموزاً وإشارات منبّهة، على المرأة التقاطها براداراتها النسائية المتطوّرة، ومواجهتها بحكمة، أو دهاء نسائي، لكن من دون أن تعميها الغيرة، ويُخرجها سوء الظن من طورها، فتقطع بسكين المطبخ أحد أعضاء زوجها أثناء نومه، كما فعلت مؤخراً أخت لنا في الجنون، بمنطق شمشون، يوم هد المعبد عليه وعلى أعدائه.
في المقابل، أوافق تلك الجزائرية التي قضمت جزءاً من لسان خطيبها أثناء تقبيله لها، بعدما اكتشفت أنه أخفى عنها زواجه بامرأتين له منهما أولاد. أضحكني الخبر، بي فضول أن أعرف، ماذا سيقول هذا الزوج الخائن لزوجتيه عندما يعود لهما.. من دون لسان!