أعود مرة أخرى للعام الجديد ولكن هذه المرة ليس لنتحدّث عن قائمة أمنياتنا وتحدّيات وفرص تحقيقها، ولكن لفرصة أن نعود كيوم وُلدنا في نظرتنا للأمور والحياة حولنا. هي فرصة التخلّص من أثقل أعباء أيامنا وهي المواقف المتراكمة والانفعالات والأحكام المسبقة نحو الأمور، هي تقريباً سبب 90% من مشكلات الحياة اليوم وحلّها بسيط جداً ولكنه سهلٌ ممتنع وهو التسامح.
ليس النفط ولا الثروات ولا التطور العمراني والتقني، هو الذي أوصل الإمارات إلى ما هي عليه اليوم، ولكنّه منهج قيادي صالح لكل العصور، زرعه الوالد المؤسس ليكبر مع الاتحاد، ألا وهو التسامح وحمله خير خلف لخير سلف. وتقدمنا في مؤشرات التنافسية العالمية وتطورنا لم يبعدنا عن محيطنا ولكن جعلنا أقرب إليه بل وأنفع له بإشراكه في رحلتنا للمستقبل، فعادت الفائدة على الجميع من الصغير حتى الكبير.
اختيار القيادة الحكيمة للإمارات أن يكون 2019 عاماً للتسامح، ليس مجرّد نهج حكومي وبرنامج تقع مسؤولية تنفيذه على الجهات والمؤسسات، ولكن في سطوري هذه أردت التنويه لفرصة لنا كأفراد ومجتمع، مع علمي ويقيني أن التسامح خصلة إماراتية متأصلة فينا نحن عيال زايد، ولكن العام الجديد فرصة لنا للاستزادة من خير التسامح، ليسهم كل واحد منا في إضفاء السعادة في محيطنا، بدءاً بأرواحنا المتعبة أحياناً من أعباء نحن في غنى عنها ولا يتطلب التخلص منها سوى التسامح.
التسامح معنى كبير وعميق جداً، يتجاوز التعريفات التي اعتدنا أن نقرأها في الكتب أو نسمعها في برنامج هنا أوهناك، التسامح لنا فرصة حياة جديدة لا تتطلب منّا قدرات مالية ولا تتوقف على مؤهلات علمية أو نحوه، بل هي أخلاق نغرسها وأسلوب حياة نعيشه.
ونحن نُعد للعام الجديد كلّ في موقعه، نحتاج أن نُعدّ أفكارنا لتغذي التسامح وندرّب قلوبنا على أن تتسامح فتصبح وجوهنا عنواناً لنا ولدولتنا وما تعنيه من قيم وصفات ومعانٍ. فأنا أؤمن بأن كثيراً مما أنا فيه اليوم من نجاحات ونعم هو حصيلة قيمة التسامح التي غرسها المغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه) والتي ربّاني عليها والدي بطي بن بشر، من خلال مشاهدتي له متسامحاً، في جوانب حياتنا كافة كأسرة وطريقة قبوله للآخرين على تنوع خلفياتهم وثقافاتهم وأديانهم.
وقبل عودتنا من إجازاتنا السنوية التي قد تتزامن لدى بعضنا مع العام الجديد، وقبل شراء لوازم المدارس لأبنائنا وملابس ومستلزمات الفصل الدراسي الجديد وقبل كثير من الطقوس، فلنضع على لائحتنا تغذية روح التسامح في كل تفاصيل حياتنا من جهة، وأن يوظف كل واحد منا قدراته لإثراء المجتمع بالتسامح من خلال مهارة يتقنها أو حديث يحمل قيم التسامح وغيرها من قائمة تطول. كل عام وأنتم متسامحون وقد ولدتم من جديد.