أغلب الناس يعرفون شهريار وشهرزاد، بطلي ألف ليلة وليلة. الذي يظل غائباً، هو لماذا اختار شهريار أن يمسح العار بالدم من خلال خيانة زوجية مدّدها إلى كل النساء؟ أصبح شهريار يقتل كل امرأة يتزوجها حتى لا يتيح لها فرصة خيانته. تتخفى وراء الجريمة فكرة خطيرة وهي أن كل النساء خائنات، من دون التفكير في خيانات الرجل. مع أن ألف ليلة وليلة تزخر بنساء حرملك شهريار ومحظياته. إلى يوم لم تبقَ في المدينة أي امرأة إلا ابنة كبير وزرائه، شهرزاد. يريد أبوها إخفاءها، لكنها ترفض. وتقبل شهرزاد المثقفة النبيهة، والقارئة للقصص العالمية، أن تضع حياتها في أخطر الرهانات. لا يمكن للجريمة أن تستمر. وعلى الرغم من محاولات والدها، تصر شهرزاد على خيارها.
في ليلة الزفاف، تجلس قبالة شهريار على فراش وثير، وتحاول أن تقنعه بألا يكون متسرعاً في ليلتهما الأولى. عندما يسألها عن أمنيتها التي تسبق الاغتصاب والذبح، تطلب منه شيئاً بسيطاً، هو أن يسمعها حتى النهاية. يفاجأ بأنها من بين كل الزوجات اللواتي قتلهن كانت الوحيدة التي لم تطلب منه أي شيء. وبدأت تقص عليه حكاية، شعرت من عينيه بأنه كان مأخوذاً بها. واستمرت حتى الصباح. أوقفت القصة في اللحظة الحساسة وهي تقول: إذا تركني مولاي حية إلى الغد، سأنهيها له، وليفعل بي بعدها ما يشاء. لم يستطع شهريار أن يترك الحكاية معلقة. كان يريد أن يعرف النهاية. أقنع شهريار نفسه بأن يوماً زائداً أو ناقصاً لن يغير في الأمر شيئاً. وافق على طلبها. ومنحته ألذ ما اشتهاه في تلك الليلة، في انتظار بقية القصة.
وفي الليلة الثانية قبل أن تنهي القصة، أدخلته في قصة جديدة تعالقت مع الأولى وتفردت عنها باستقلالية جزئية. طريقة لشد الانتباه إلى القصة الجديدة، ولا يشعر المستمع بانتهاء قصة، وبداية قصة جديدة. وعندما وصلت إلى ذروة القصة الثانية، علقتها لأن الصباح كان قد أدركها. طلبت منه أن يمنحها فرصة إنهائها في الليلة الموالية. وجاءت الليلة الثالثة والرابعة والخامسة حتى الليلة الألف. يعني قرابة ثلاث سنوات من الحكي والقص بلا توقف. كيف استطاعت امرأة تحت مقصلة الموت المحتمل في أي ثانية، أن تفعل ذلك كله بلا ملل ولا كلل إذا لم يكن الدافع نحو الحياة استثنائياً؟ ثم جاءته في الليلة الواحدة بعد الألف، بثلاثة صبيان: الأول ثلاث سنوات، الثاني سنتان، آخرهم أقل من سنة. ثم قالت له: يستطيع اليوم مولاي أن يفعل بي ما يشاء. عندما رأى إشراقها وأبناءه الثلاثة شبهاً له كقطرات الماء، أدرك لماذا شهرزاد اختارت نساء خادمات بدل الرجال. طوال السنوات الثلاث لم يدخل رجل واحد إلى قصرها. قالت: كل رهاني يا مولاي كان هو كيف أسعدك، وأمنحك ما لم تره في حياتك. حلمي اليوم هو أن أستمر في ظلك، حبيبتك وزوجتك وأم أولادك. واصل: وكيف أطلب العفو من اللواتي قتلتهن ظلماً؟ أن تعتذر لهن في سرك، وتوقف القتل. ووافق منصاعاً لطلبها. تساءل: كيف تمكنت امرأة، لا تختلف عن الأخريات، أن توقظ إنسانيته اليابسة والميتة؟ يوم دق الموت على باب شهرزاد، بكى. شدّت على يده وقالت: عدني بألا تعود إلى الدم. ثم اكتب على قبري: هنا تنام شهرزاد، التي محت الدم بالحكاية. نفذ طلبها، ونقش صورتها وكلماتها على شاهد قبرها، وفاء لامرأة لم تكن ككل النساء.