دراسات كثيرة تتحدث عن الآثار السلبية على الأطفال مدمني شاشات التواصل، ومنها الانعزال والتشتت الذهني، ونقص التركيز لدرجة أن منظمات صحية أدرجت إدمان الشاشة ضمن الأمراض التي يشملها التأمين الطبي، وقد تحدثت عن هذه الدراسات في توريقة سابقة، وهنا أشير إلى تغريدة طرحتها على المتابعين والمتابعات، نصها هو عنوان هذه التوريقة، وكانت نيتي سبر الآراء العامة من مستخدمي الأجهزة وجاءت إجابات كثيرين سأختار منها عينة تعطي فكرة عن التصورات العامة. فالمغردة هند تقول: «إن الجهاز يجعلك تصدقه وتكذب نفسك»، ومحمد قسمي يقول: «بالنسبة إلي جعلني الجهاز أكثر عزلة وأكثر معرفة»، وقالت سماح عادل الجريان: «إن الأجهزة لا تجعلنا نفكر أو نقرر أو نشغل حواسنا»، وسمية محمد تقول: «الأجهزة أول قاتل للتأمل والتفكير العميق»، وترووك Trook يقول: «الاعتماد الكلي عليه جعلنا كسالى ونبدو أغبياء». وتكاد الردود كلها تعطي صيغاً مماثلة من الإجابات، والأبرز هو عدم ظهور أي تغريدة تنتصر للجهاز، باستثناء سمات السرعة في الأخبار وكشف المعلومة.
هذا رأي عينة شبابية عن الأجهزة وتصوراتهم لسلبياتها، ولكن السؤال الواقعي هو: كيف لهذا السلبي أن يسيطر على خيارات الجميع حتى الكبار منا، ومع إدراكنا لمضاره الجسدية والذهنية نظل نتشبث به بل نشعر بأن لا غنى لنا عنه.
ولعل الوصف العالمي لهذا الجهاز بأنه الذكي بتوافق عام على هذه التسمية، علمياً وتجارياً وجماهيرياً، وهذه صفة تسلم بالتنازل البشري عن الذكاء ومنحه طواعية لهذا الجهاز، وهو جهاز يقع منا موقع الثقة المطلقة لدرجة تصديقه وتكذيب أنفسنا كما في إحدى الأجوبة، وللإنسان في تاريخه كله رغبات عميقة في كسب صديق حافظ للسر، يساعدنا على الإفضاء بخصوصياتنا، وكثيراً ما أصيب البشر بمقاتل بسبب خيانة الصديق وكشفه للسر، وكل الخطابات الأدبية والمأثورات تركز على الصديق الأمين والصديق اللئيم تمنياً للأول وتحذيراً من الثاني، وحين جاء الجهاز منح البشر أمنيتهم القديمة بالصديق حافظ السر، بمثل ما وقاهم من اللئيم الغادر بالسر، وهنا تعلق البشر بهذا الجهاز وسموه ذكياً لأنه أعطاهم كل ما تمنته أشعارهم وحكاياتهم الأسطورية، وتم حل الوجع البشري العميق بخلاص تقني صنع لكل واحد منا صديقاً فيه عيوب ولكن مزيته تحقق أمنية أسطورية ظلت مطلباً بشرياً عن الصديق الوفي وهو مطلب لم يغب عن أي خيال بشري فردي أو أسطوري إلى أن تجسد الخيال بمخترع يجعل صديقك في جيبك وتحت إمرتك، وقبلت أن تكون تحت إمرته وسلمت له مهاراتك وذكاءك وذاكرتك ووقتك. هنا هو ذكي ونحن أغبياء بخيارنا وكأننا نشتري غباءنا ولا نتردد.