شبه جزيرة كوريا هي مهد نبتة الجنسنغ، تستهلكه وتصدّره منذ القدم. وإذ يلقب النفط «الذهب الأسود»، والماء «الذهب الأزرق»، والزرع «الذهب الأخضر»، وهلمّ تشبيهاً، عهد الكوريون على تشبيه الجنسنغ بـ«الذهب الأبيض». فلماذا المغالاة في تبجيل نبتة تبدو عادية؟

في الواقع، للجنسنغ فضائل في شفاء علل عدة، ومكافحة التعب والإعياء، وتنشيط الدورة الدموية، ورفع الإمكانات الذهنية، وتنظيم الإفرازات والفاعليات الحيوية عموماً.

فلا عجب في أن يكون اسمه العلمي «پاناكس جنسنغ Panax ginseng»، عن الإغريقية «پان» أي الكل، و«أكوس» أي الدواء، بعبارة أخرى «الدواء الشامل». لكنها تسمية مبالغ فيها. فلو كان الجنسنغ حقاً بلسماً «شاملاً»، لفاق سعره سعر الذهب أضعافاً. لكن ذلك لا ينفي أن له مناقب كثيرة فعلاً.

أما الكوريون، فيدعون النبتة «إنسام»، ويلقبون جذورها الشبيهة بهيئة البشر، وهي الجذور الأقدم عمراً، «غوريو إنسام»، أي «الجذر الإنسان».

فمن أين إذن أتت مفردة «جنسنغ»؟ إنها تحريف بالإنجليزية عن الصينية القديمة «رينشنغ»، مما يعني أيضاً «الجذر الإنسان». فذلك الجانب الشكلي ترك أثراً كبيراً، وربما شيئاً من الرهبة، لدى قدماء آسيا.

إذ تتخذ النبتة البالغة حقاً هيئة بشرية، بـ«أطراف» علوية وسفلية تحاكي الذراعين والرجلين. ويزداد شبهها بالإنسان كلما كبرت وعندما يحالف الحظ أحدهم في العثور على نبتة جنسنغ طبيعية، نمت في البرية، يبادر إلى بيعها بالمزاد العلني، مما قد يدرّ ربحاً معتبراً.

فالجذور الأكبر سناً هي الأغلى ثمناً، لا لشبهها بطلعتنا البهية كبني آدم، إنما لأنها تضم فضائل طبية وعلاجية وتنشيطية أكثر. لذلك، يتوقف ثمن الجذور على قِدمها. لكن، حتى الجذور الحديثة تظل غالية.

إذ تتطلب زراعتها وجنيها وتهيئتها للتسويق عناية بالغة. وتحرص السلطات الكورية على فرض معايير شديدة للزراعة والتعبئة والتسويق، وتشرف إشرافاً دقيقاً على تلك المراحل حفاظاً على سمعة الماركة التجارية «جنسنغ كوري».


فذلك الاسم ينطوي على رهانات اقتصادية مهمة. فالنبتة لا تزرع في كوريا وحسب، إنما أيضاً في الصين وسيبيريا. وقد يسأل سائل: كيف يمكن زراعة الجنسنغ في ربوع قارسة كسيبيريا؟ في الواقع، تمتاز النبتة بخاصية فريدة تتمثل في قدرتها على الدخول في نوع من «السبات» الشتوي، كبعض الحيوانات.

لكنّ سمعة جنسنغ كوريا تظل الأعلى، لكونها موطنه الأصلي ولتأصل تقاليد زراعته فيها واستخدامه لأغراض طبية. فمن أهم منافعه: تعزيز حصانة الجسم وتنشيط الجهاز العصبي والمقدرات الذهنية والذاكرة، فضلاً عن كونه مضاداً للالتهابات والتأكسد.

كما يسهم في تفادي الأورام الخبيثة، ومقاومة التعب والإرهاق، وإيصال الأكسجين إلى الخلايا والأنسجة الحيوية، بالتالي إسراع تخليصها من السموم وهذه خصائص هائلة، تثير اهتمام مختبرات الأدوية العالمية، مما يؤمن موارد مالية للبلدان المنتجة، وعلى رأسها كوريا الجنوبية.