عادت أعياد نهاية السنة، ومعها رغبة الناس لارتياد المطاعم، خاصّة الجديدة منها. كما في لبنان حيث يحلو للبنانيّين استعراض أسماء المطاعم التي فتحت للتو، وكانوا أول من ارتادوها وتذوقوا أطباقها.. وحفظوا اسم «شيفها» والتعرف إلى مالكها.
لمرضى التباهي أقترح مطاعم «غير شكل» ليس من السهل ارتيادها، لكنها تضمن لمن يزورها فرصة التشاوف، بحكم غرابتها. ذلك أن البسطاء من الناس وحدهم من يقصدون اليوم المطاعم للأكل فقط. ثمة من يقصد المطعم ليطبخ بنفسه من دون مساعدة أي طاهٍ، وهذا قمة الترف. إنه ما يقترحه مطعم فرنسي راقٍ يوفر لك الطناجر والصحون والنادل فحسب! وهو آخر مطعم يُمكن أن أفكر في أن أقصده مع زوجي والأولاد، حتى لا ينتحروا جميعهم هناك أمام طبق الكسكسي!
ثمّة أيضاً مطعم في روما يُدعى «بارولاتشا» أي «الكلمة البذيئة»، يقصده الجائع إلى المسبّات أكثر من جوعه إلى الأكل، ويريد أن يُشبعه النادل شتائم مذ لحظة وصوله. المصيبة، إن كان الزبون برفقة امرأة وفضّل النادل البدء بشتمها!
وثمّة مطعم في موناكو يدعى «les pirates»، كدتُ أدخله لولا أن المطلوب ممّن يجلس إلى طاولة الأكل أن يحطم الصحون ويكسّر ما يشاء في المطعم، على أن يكون جاهزاً لدفع ثمنه بفاتورة تكسر الظهر، غير قابلة للمراجعة، فهو في عصمة القراصنة!
ومطعم افتتح في نيويورك، لا طاولات فيه بل أسرّة تفصلها الستائر، ويتناول فيه الزبون غذاءه في السرير مع أم عياله، وأولاده، وربما مع سكرتيرته! وشخصيّاً لن أرتاده لأنّني أقضي نصف نهاري في السرير الذي هو مكان كتابتي، وسيكون ضرباً من الجنون أن أغادره إلى سرير في مطعم.
مطعم آخر في نيويورك أيضاً يقدّم لك الأكل على طاولات، ولكن في الظلام، وعليك أن تجد طريقك إلى الطاولة «دون الاستعانة بصديق». إن وقعت وتكسّرت في الظلام، غيّر إلى مطعم في سنغافورة، اسمه «العيادة»، الطاولات عبارة عن سرير غرفة العمليات، الكراسي متحركة للمرضى، والمشروب يُعطى كمصل.
وثمّة المطاعم الأوروبية الفاخرة جدّاً، التي تقصدها لا لتأكل بل لتدفع. فكلّما كبر صحن البورسلين وغلا ثمنه، قلّ محتواه. وأعتقد أن رواده يتناولون وجباتهم في البيت، قبل أن يقصدوه للأكل. وهي مطاعم لا بدّ أن تدرج في المسابقات التلفزيونية فيسأل كل مشارك عن مكونات «طبقه». كما مع صحن الحساء الذي يقدّمه مطعم لندني بـ200 جنيه استرليني، وتتضمّن مكوّناته زعانف سمكة القرش وصدف المحار، وبودرة الفطر الياباني، والخيار البحري، واللحم المجفف والدجاج والجنبون الصيني، ولحم الخنزير والجينسينغ، ونظراً لهذه التشكيلة العجيبة من المنطقي أن يحمل هذا الطبق اسم «بوذا يقفز فوق القمر». وهناك مطعم تدخله عارياً، فالجميع عراة. ومطعم طاولته معلقة في السماء بحبال، ومطعم تحت الماء.. و.. و... ويكفي أن تملك ثمن التشاوف.
الآن، في إمكان من يُريد منكم التباهي أن يختار مطعمه من بين ما ذكرت!