• كم هو جميلٌ أن يكون الفنان واعياً، مثقفاً، قارئاً، يعي أنه قُدوة للجمهور، فيذهب إلى تثقيف نفسه وملء عقله بالمخزون الفكري، لا كما نرى الآن من الكثير من فناني الجيل الحالي، الذين يحرصون على ملء جيوبهم بالمخزون المالي وهدفهم الكمّ لا الكيف.

ومناسبة كلامي، ما سمعته وغيري من عبارات مؤثرة على لسان الفنان دريد لحام بحق الوطن عامة، في حوار جميل لمصلحة برنامج «في أمَل»، تقدمه الفنانة أمل عرفة.

ويُنافس دريد في النضج الفكري، الفنان الراحل نور الشريف، الذي أعتبره نُوراً في الثقافة يُشرّف الوسط الفني الذي كان ينتمي إليه، إذ لا أنسى نقاشاً جَمَعني به على عشاء في دبي قبل وفاته، وذلك بحضور النجوم: ميرفت أمين، جمال سليمان، وليد توفيق، الإعلامية بوسي شلبي والأصدقاء، وبينما كان يتناول وجبة السمك المفضّلة إليه، أخذ يحدثني عن شخصية «ابن خلدون» (رائد علْم الاجتماع العربي) المحبّبة إليه، ويراها الشخصية التي يجب أن تقدم درامياً بأكثر من مُعالجة.

فقال: «من روائع ابن خلدون، أنه كتب في مُقدمته الشهيرة في القرن الـ14 الميلادي: عندما تكثُر الجباية، تُشرف الدولة على النهاية، وعندما تنهار الدول، يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون، والكتبة والقوّالون، والمغنون النشاز والشعراء النظّامون، والمتصعلكون وضاربو المنديل، وقارعو الطبول والمتفيقهون (مدّعو المعرفة)، وقارئو الكف والطالع والنازل، والمتسيسون والمداحون والهجّاؤون وعابرو السبيل والانتهازيون.

وتتكشّف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط، يضيع التقدير ويسوء التدبير، وتختلط المعاني والكلام، ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل.

وعندما تنهار الدول، يسود الرعب، ويلوذ الناس بالطوائف، وتظهر العجائب وتعمّ الشائعة، ويتحول الصديق إلى عدو، والعدو إلى صديق، ويعلو صوت الباطل ويخفق صوت الحق، وتظهر على السطح وجوه مُريبة، وتختفي وجوه مؤنسة، وتشح الأحلام ويموت الأمل، وتزداد غربة العاقل، وتضيع ملامح الوجوه، ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقاً، وإلى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان.. يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء، والمزايدات على الانتماء، ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين، ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة، وتسري الشائعات عن هروب كبير، وتُحاك الدسائس والمؤامرات، وتكثر النصائح من القاصي والداني، وتُطرح المبادرات من القريب والبعيد، ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته، ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار، ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين، ويتحول الوطن إلى محطة سفر، والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب، والبيوت إلى ذكريات، والذكريات إلى حكايات». لنختتم العشاء بالقول: رحمك الله يا ابن خلدون.. فهل كنت تتجسس علينا منذ 700 عام؟

• صدَق مَن قال: «كوني جميلة واصمتي»، وهذا يبدو ما فعلته الفنانة ياسمين صبري، التي نفهم من توجّهها الجديد، أنه لم يعد يعنيها الفن بقدر ما يهمها الوجود في مناسبات جمالية، وأن تكون سفيرة الكثير من «الماركات»، كما نسمع من المخرجين أنه لم يعد يستهويها الوقوف داخل «البلاتوهات»، لتصوير أعمال فنية ربما يستغرق إنجازها أشهراً، بل الأسهل لها الوقوف على السجادة الحمراء، وأمام العدسات لإبراز فستانها ومكياجها وجمالها. كل هذا وهي صامتة تُبحلق بعينيها الحالمتين، من دون أن تقدم نصاً درامياً. باختصار، مؤسف أن نخسر فنانة جميلة كانت الآمال معقودة عليها، لتتحول في زمن الـ«تيك أوَاي» إلى رقم بين نجمات «السوشيال ميديا».. فمتى تعي ياسمين أنها أهم من ذلك وتلحَق برَكْب زميلاتها الممثلات؟